اعتبر الكاتب والمحلل السياسي المختص بالشؤون الإسرائيلية، أنطوان شلحت، نتائج الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية، بأنها تعزيز للتوجه السائد في إسرائيل عبر التوزيع بين اليمين الجديد واليمين القديم.
وقصد المحلل السياسي باليمن القديم هو ذاك اليمين الذي يحمل مواقف متطرفة غير أنه يحمل رؤية مدنية ليبرالية بما يتعلق بالشؤون المدنية، واحترام مؤسسات الدولة وخاصة الجهاز القضائي، بينما اليمين الجديد هو الذي يتبنى المواقف المتطرفة ومنقطع عن التوجه المدني الليبرالي. هذا ليس فقط تحليل وإنما اعتراف واضح من قبل حزب 'كاحول لافان' أنه يمثل اليمين القديم، وهو استمرار لليمين القديم".
وأكد شلحت أنه "فيما يتعلق باليسار الإسرائيلي الصهيوني (معسكر السلام) لم يعد له وجود قوي وقد يكون اقتصر فقط على أعضاء 'ميرتس' وعلى ما يبدو هذه هي قوته الحقيقية في المجتمع اليهودي، وهذا تعزز أكثر وأكثر ولم يخلق في هذه الانتخابات، وهو استمرار للانتخابات السابقة، بل إن أداء نتنياهو عبر حملة النفير لليمين (غعفالد)، وحملة التهويل من العرب، وهذا تماما ما فعله في 2015 وهذه حالة أعادت إنتاج الحملة السابقة لتحقيق الغاية ذاتها عبر ترسيخ حكم اليمين".
"عرب 48": لو نظرنا إلى القوائم العربية، فشل ذريع وتراجع بعدد الأصوات بحوالي 110 آلاف صوت؟
شلحت: طبعا، أعتقد أن هناك تراكم أسباب لهذا الفشل، أولا خيبة أمل من تفكيك القائمة المشتركة، وكل ما رافق ذلك من وقائع، وهذا يأتي على خلفية أداء المشتركة وما يسمى أزمة التناوب والتلاعب فيها، وهو ما أثبت للناس أن هذه القائمة لم تضع المجتمع العربي المحلي في رأس سلم عملها بالكنيست وإنما مجرد وعاء لتقاسم كعكة الكنيست أو ما نطلق عليه 'سفينة نوح' لعبور نسبة الحسم، ولم تكن إلا بالاسم مشتركة ولم تستطع أن تطور شيئا مشتركا، ورسخت فكرة أنها شهوة لمقاعد الكنيست. هذا أحد الأسباب الذي أدى إلى انخفاض نسبة التصويت، ينضاف إلى ذلك ما قام به 'الليكود' يوم الانتخابات، والذي يصح توصيفه بأنه نوع من أشكال الإرهاب السياسي عبر إرسال 1350 ناشطا لترهيب المجتمع العربي من التصويت، وهذا مثبت ومصرح به علنا من 'الليكود' وهذا أدى بطبيعة الحال إلى تراجع نسب تصويت العرب ورفع إمكانية تمثيل الأحزاب اليمينية التي تتوفر عادة بين المتدينين وأحزاب اليمين الإيديولوجية المتطرفة".
"عرب 48": ذكرت أن تفكيك المشتركة سبب تراجع التمثيل العربي، ومع ذلك شهدنا أن المسبب الأساسي لتفكيك القائمة المشتركة، هو الوحيد الذي ربح من هذه الانتخابات، بينما من حاول التمسك بالمشتركة خسر بعض تمثيله؟
شلحت: تفكيك المشتركة هو سبب رئيسي، لكن ليس هذا هو السبب لوحده. هذه الأصوات التي خسرتها القوائم العربية توزعت بين عدم التصويت والأحزاب الأخرى، وأعتقد أن قائمة الحركة الإسلامية والتجمع بذلت طاقات على محاولات إعادة المشتركة، ولم تركز على طرح البرنامج مبكرا، وطرحت البرنامج في اللحظات الأخيرة. وكان من الخطأ التعويل على إعادة تركيب القائمة المشتركة حتى اللحظات الأخيرة، دون الالتفات إلى الشارع وما يريده خلال كل تلك الفترة، وقدمت هذه القائمة برنامجا جيدا تحت شعار 'نحو مجتمع آمن وقادر' لكنه كان متأخرا.
"عرب 48": معطى مزعج آخر هو حصول الأحزاب الصهيونية على 29.5% من الأصوات العربية؟
شلحت: هذا سببه المباشر فشل الأحزاب الذريع في كل ما يتعلق بالتحالفات وتفكيك القائمة المشتركة، ومنذ تفككت القائمة المشتركة وخروج الاتهامات المتبادلة ترك هذا فراغا والحياة لا تحتمل فراغا، فهذا الفراغ عبأته أحزاب أخرى، والحالات الانتهازية كثيرة تستعد لمثل هذه الفرص وتنتهزها.
"عرب 48": مدينة مثل الناصرة تعيش حياة سياسية وربما أكثر مدينة تعيش حياة ثقافية وسياسية وأدبية، كيف يصل فيها الحال إلى تراجع نسبة التصويت من 63.9% في انتخابات 2015 إلى 38.5% في الانتخابات الحالية؟
شلحت: هذا إن دل على شيء فيدل على أن هناك انعدام ثقة كامل بالأحزاب في الانتخابات البرلمانية، وهذا من المعطيات التي ينظر إليها بعد وقوعها لا قبل وقوعها، فلم تكن مؤشرات لوقوع مثل هذا الكم رغم أن المؤشرات كانت موجودة لحالة خيبة الأمل وإحباط اللامبالاة، خاصة مع ما نلاقيه من سياسات التطرف وسن 'قانون القومية' والسياسات القمعية مع الفلسطينيين، ولم يكن يعرف أحد كيف ستترجم خيبة الأمل هذه، ولا أعتقد أن أي حزب من الأحزاب العربية قدر حجم هذا الفشل، وهذا للأسف فقر سياسي".
"عرب 48": لم يخرج أي قائد من الأحزاب السياسية ليقول فلشنا وعلينا استخلاص العبر، هل سيحدث ذلك؟
شلحت: ولن يخرج باعتقادي أي قائد ليصرح بذلك. أعتقد أن هذه المصارحة كان ينبغي أن تكون مباشرة بعد تفكيك المشتركة، وكان على كل حزب الاجتماع وتقييم التجربة، وأن لا يخجل في توصيفها كتجربة جيدة مع أسباب الفشل فيها والتحدث بشفافية مع الجمهور، وأعتقد أنه لو حدث هذا الأمر لانعكس ذلك على العمل السياسي، بغض النظر عن اقتناع الجمهور بموقفه، فعلى الأقل تزال عنك شبهة ممارسة الاحتيال والخديعة إزاء الناخب الذي منحك ثقته في الانتخابات السابقة، وأنت لم تحترم هذه الثقة، الآن. بعد صدور نتائج الانتخابات هناك فشل مدو واضح لكل الأحزاب والسؤال كيف ستتعامل الأحزاب معه، وما يمكن قوله هو أن نعبّر عن الأمل لأن تعيد الأحزاب حساباتها وتعيد تنظيمها وتصارح جمهورها ومجتمعها بكل ما ترى أنه فعلا كانت ممارسات فاشلة على أعتاب هذه الانتخابات، وأن تقدم رؤيتها للمرحلة المقبلة".
التعليقات