لا يعرف الكثير عن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الأسبق، بيني غانتس، الذي يقف على رأس حزب "كاحول لافان" وأعطته استطلاعات الرأي الإسرائيليّة، أمس، الخميس، أكبر عدد مقاعد في الكنيست لو أجريت الانتخابات اليوم، متقدمًا على رئيس الحكومة الإسرائيليّة، بنيامين نتنياهو.
لكن، هل يكفي خطابان لتحديد شخصيّة غانتس، الذي سيضطلع بدور كبير في السياسة الإسرائيليّة، سواءً نجح في تشكيل الحكومة الإسرائيليّة المقبلة، أو عبر رئاسته المعارضة الإسرائيليّة في حال فشل في ذلك؟
نظرة واحدة إلى السجّل العسكري لغانتس تشير إلى أنّه ليس شخصيّة عسكريّة "استثنائيّة" بالمعنى الإسرائيلي، فهو ليس آرئيل شارون، مثلًا، الذي قاد الاجتياح الإسرائيليّ للبنان عام 82 واستطاع تحقيق ثغرة الدفرسوار في مصر أثناء حرب تشرين أول/أكتوبر 1983، ووضع، لاحقًا، خطّة الانسحاب الإسرائيليّة من قطاع غزّة عام 2005، وهي الخطّة التي أفرزت تحولات في الساحة السياسية الإسرائيليّة لا زالت تبعاتها مستمرّة إلى الآن؛ وهو، كذلك، ليس إيهود براك، الذي تحوم حول صورته في الجيش الإسرائيلي أساطير "الجندي المتميّز"، وبالتأكيد ليس يتسحاك رابين، الذي قاد الجيش الإسرائيلي في عدوان 1967، وأفرز فوزًا إسرائيليًا ساحقًا، محتلًا الضفة الغربية وقطاع غزّة وشبه جزيرة سيناء والجولان السوريّ، قبل أن يتحوّل لاحقًا إلى واحد من أبرز رؤساء الحكومات في إسرائيل، وربّما أكثرهم جدلًا.
وحتى الحرب التي خاضها غانتس في غزّة، وهي آخر حروبه، لم يسجّل فيها انتصارًا ضد المقاومة الفلسطينيّة، باستثناء المجازر التي ارتكبتها قواته وحصدت أرواح آلاف الفلسطينيين، فقد استطاعت الفصائل الفلسطينية قصف مناطق محاذية لمطار بن غريون، وقصف تل أبيب على الهواء مباشرة، بالإضافة إلى عملية زيكيم التي اقتحم فيها عناصر من حركة حماس قاعدة زيكيم العسكريّة، واستخدامهم سلاح الأنفاق، الذي ما زال الجيش الإسرائيلي يعتبره تهديدًا في قطاع غزّة.
كما أن غانتس سجّل إخفاقًا اقتصاديًا مع إدارته إحدى شركات الهايتك الإسرائيليّة، بعد تركه منصبه رئيسًا لأركان الجيش الإسرائيلي، ما أدّى إلى إفلاس الشركة وإصابتها بخسائر تقدّر بعشرات ملايين الدولارات.
يفتقد القدرة على اتخاذ القرار
كما يفتقد غانتس، بحسب ما نقل المراسل العسكري لصحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، عن ضباط إسرائيليين، "إلى القدرة على اتخاذ القرار" بالإضافة إلى أنه "غير قادر على بلورة وإملاء مساره الخاص".
وشكّك هرئيل إن كان شريك غانتس في إدارة "كاحول لافان"، يائير لبيد، أو المسؤولان عنه السابقان في الجيش الإسرائيلي، وحليفاه اليوم، موشيه يعالون وغابي أشكنازي، مقتنعين أن غانتس ملائم أكثر منهم لقيادة "القائمة العسكريّة المشتركة"، لكنّه نسب التحالف معه إلى التوقيت واستطلاعات الرأي التي رجّحت كفّة غانتس على غيره من المنافسين.
طوال سنوات، بحسب هرئيل، حسم الحلبة السياسيّة في إسرائيل موضوع واحد، هو الخوف على الأمن الشخصي. "واستنتج معظم المصوّتين في إسرائيل أن اليمين، ونتنياهو بالأساس، أكثر قدرة من منافسيه على مواجهة التهديدات العسكريّة الكثيرة"، وأضاف هرئيل "غير أن هذه الانتخابات، على ما يبدو، ستنصبّ على موضوع واحد: المودّة أو الكراهية تجاه نتنياهو نفسه".
ويسعى الليكود في حملته الانتخابيّة ضدّ غانتس إلى إعادة النقاش السياسي إلى القضايا الأمنيّة، "عبر إذكاء الخوف من أن الحزب المنافس سينسحب من الأراضي المحتلة عام سبعةٍ وستّين، ما يعني "إعادة الإسرائيليين إلى أيام إرهاب الانتحاريين"، بحسب هرئيل، الذي أضاف أنه "على أرض الواقع، فإن المسار السياسي جُمّد منذ سنوات طويلة، والاحتمال الوحيد لإعادته يرتبط بـ’صفقة القرن’ الأميركيّة التي سيعرضها البيت الأبيض بعد الانتخابات الإسرائيليّة" ناقلًا عن ترجيحات في السياسة الإسرائيليّة أن نتنياهو "سيستصعب مواجهة الإدارة الأميركيّة، بل أنه لن يتردّد في ضم غانتس لحكومته والابتعاد عن أصدقائه القدامى في اليمين".
الموقف من القضيّة الفلسطينيّة و"قانون القوميّة"
ولا موقف واضحًا لغانتس من عمليّة السلام أبدًا، واضطر بعد خطابه الأول، الشهر الماضي، إلى إصدار أكثر من توضيح حول ما ورد في الخطاب، بالإضافة إلى تصريحه أنه لا ينوي تعديل "قانون القوميّة"، الذي أقرّ في تموز/ يوليو الماضي، زاعما أنه يوجد عدد كاف من القوانين التي تتطرق إلى المساواة المدنية المتوفرة لجميع الناس. وسنناقش كيفية تصحيح ذلك".
بالإضافة إلى اعتقاده أن الجندي القاتل، إليئور أزاريا، لم يرتكب جريمة، بقتله الشاب الفلسطيني عبد الفتاح الشريف الذي كان مطروحا أرضا ولا يقوى على الحراك بسبب إصابته الخطيرة برصاص جنود الاحتلال. واعتبر غانتس أن "إليئور أخطأ. وتم التعامل معه من جانب قيادة الجيش وقضائيا وتأديبيا".
وخلال مقابلة مع صحيفة "يديعوت أحرونوت"، الشهر الماضي، وفي رده على سؤال إذا كان "في رأيك نحن شعب يمارس احتلالا؟"، اعتبر غانتس "نحن شعب حرر نفسه". وتابع أنه "عمليا يوجد هنا أناس يرون أننا نُعتبر كمحتلين. وبنظرنا نحن محررون. والآن علينا أن ننفذ التسوية". وفي رده على سؤال أنه "لا يوافق على مصطلح الاحتلال"، قال إنه "أكرر القول، نحن نعرف التوراة والتاريخ. ونحن نعترف أيضا أنهم (الفلسطينيون، الذي يمتنع غانتس عن ذكرهم بشكل واضح وصريح) هنا. والاحتلال هو نتيجة قائمة لنقاش سياسي".
كما أن غانتس تجنّب، في أول خطاب له، التحدث عن دولة فلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني، وإنما انطلق من "المسألة الأمنية" التي تضع أمن إسرائيل ومصالحها في المقدمة، والبحث عن طريقة لا تبدو فيها إسرائيل كمن تسيطر على "آخرين"، دون أن يشير إلى أن "آخرين" هم الشعب الفلسطيني.
سياسي وعسكري "تزامن الفرص"
أمّا كيف تقدّم غانتس في حياته العسكرية، رغم أنه لا نجاح لافتًا له، فيقول هرئيل إن "غانتس من الأشخاص الذين يستطيعون الفوز باليانصيب حتى لو لم يشترِ ورقة يانصيب"، فاختياره لمنصب رئيس الأركان في الجيش الإسرائيلي جاء بعد تورّط الجنرال يوآف غالانط، المرشّح الأوفر حظًا حينها، في قضايا ماديّة، لم تترك مجالا أمامه إلا ترك دوره المحتمل واختيار غانتس رئيسًا للأركان، فهل يصير غانتس رئيسًا للحكومة في إسرائيل، نتيجة لتزامن الفرص فحسب، على بعد أيام من قرار المستشار القضائي للحكومة الإسرائيليّة بخصوص تقديم نتنياهو للمحاكمة؟
التعليقات