د. سليم بريك: حكومة بزعامة غانتس- لبيد لن تعتمد على العرب ولن يدعمها الحريديّون
رغم رؤيتهما لطيبي وعودة أهون الشرين فالكتلة المانعة من عهد رابين لن تتكرر
نتنياهو لا يستطيع اتهام ثلة جنرالات بـ"اليسار" فيلجأ للتحريض على العرب
الراجح من تساوي المعسكرات هو حكومة وحدة مع الليكود ما بعد نتنياهو
هل يقف نتنياهو على عتبة تشكيل حكومته الخامسة أم على عتبة السجن؟ السؤال الذي كان من المقرّر أن يحسمه إعلان المستشار القضائي للحكومة الإسرائيليّة بتقديم لائحة اتهام ضد نتنياهو لم يحسم بعد، فرغم ازدياد عدد مقاعد تحالف حزب الجنرالات في الجيش الإسرائيلي (رؤساء الأركان السابقون: بيني غانتس، موشيه يعالون وغابي أشكنازي) ويائير لبيد لتصبح قائمتها "كاحول – لافان" الأكبر، إلا أن حالة التساوي بين معسكر نتنياهو ومعسكر خصومه يمكن أن يكسرها صعود قائمة في هذا المعسكر أو سقوط أخرى في ذلك، علمًا بأن مفاجآت من هذا النوع ستخدم اليمين، الذي ترشِّح الاستطلاعات سقوط أكثر من قائمة في معسكره.
حول خصائص انتخابات الكنيست العشرين ومميزاتها، والسيناريوهات المتوقعة في ضوء نتائج استطلاعات الرأي التي سبقت إعلان المستشار القضائي عن تقديم لائحة اتهام ضد نتنياهو، وتلك التي تلت الإعلان، كان هذا الحوار الذي أجري قبل تقديم لوائح الاتهام ضد نتنياهو، مع د. سليم بريك، الباحث في العلوم السياسية والمحاضر في الجامعة المفتوحة.
عرب 48: نحن نتحدث قبل إعلان المستشار القضائي للحكومة عن تقديم لائحة اتهام ضد نتنياهو، وبعد إعلان التحالف بين غانتس يعالون لبيد وانضمام أشكنازي، الذي عدّل الكفة التي كانت تميل بشكل حاد لصالح نتنياهو بدفع المزيد من الجنرالات إلى ساحة المعركة، لماذا هذا الثبات في كتل المصوتين؟
بريك: على مدى سنوات حكمه، نجح الليكود في الحفاظ على كتلة أو كتل المصوتين في معسكره، خاصة وأن هناك عوامل اجتماعية ديمغرافية تحكم أنماط التصويت. المتديّنون والحريديون والمستوطنون والشرقيّون، هم بالعادة جمهور مصوتي اليمين، ولذلك فإنّ المنافسة تجري داخل المعسكرات وبين أحزابها المختلفة، بينما هناك صعوبة في انتقال مصوتين من معسكر إلى آخر.
في أحسن الأحوال، قد نصل ى لى تساوي بين المعسكرات، كما هو الحال الراهن، ولكن داخل المعسكر قد يقوى الليكود على حساب الأطراف الأخرى أو يضعف، وهكذا الأمر مع حزب العمل أو أحزاب المركز الأخرى، التي نجحت بوحدة حزب غانتس وحزب لبيد وانضمام اشكنازي بتشكيل قوة موازية لليكود، فاقته من ناحية عدد أعضاء الكنيست المحتملين، وخلقت قوة جذب إلى المعسكر الذي تقوده.
عرب 48: ولكن السؤال لماذا الحاجة إلى هذا الكم من الجنرالات؟
بريك: طبعًا، الموضوع يعود إلى طبيعة دولة إسرائيل وإلى تقاليد سياسية أرسيت من عهد حزبيّ "مباي" والعمل، عندما كان الجنرالات في مقدمة قيادة الدولة، مثل موشيه ديان ويغآل يادين وحاييم بارليف ويتسحاك رابين وغيرهم.
الفكرة تعززت أيضا بعد "انقلاب 77" وصعود الليكود إلى سدة الحكم، بأن الجنرالات هم فقط من يستطيع إسقاط الليكود، هذا حدث مع رابين عام 1992، ومع إيهود براك عام 1999، ويراهن عدد من السيّاسيين الإسرائيليّين أن هذا ما سيحدث مع رئيس أركان غانتس وثلة الجنرالات من حوله عام 2019.
نتنياهو يجد نفسه في مشكلة، فهو لا يستطيع أن يقول عن هذه الثلة من الجنرالات "يسار"، وحتى لو قال ذلك، فإنه لن يكون مقنعًا للشارع الإسرائيلي، ولذلك فهو يواصل إستراتيجية اليمين في التحريض على العرب، بهدف نزع الشرعية السياسية عن أحزابهم ودفعهم إلى خارج اللعبة، وهو يدرك أنه طالما أنّ العرب خارج اللعبة السياسيّة، فلن يستطيع "اليسار" العودة إلى الحلبة السياسية، والغريب أن "اليسار" سلّم بهذا الموضوع وبات "يخشى" بعد التجربة اليتيمة لحكومة رابين من الاعتماد على أصوات العرب، وهو ما رأيناه مؤخرًا في تصريحات غانتس الأخيرة وفي تصريحات لبيد الواضحة بهذا الخصوص.
عرب 48: إذا كان حزب غانتس- لبيد لا يريد الاعتماد على أصوات العرب ولو من الخارج، فإنّه لن يستطيع تشكيل حكومة حتى لو نجح معسكر المركز- يسار مع العرب من الحصول على أغلبية 60 – 61 مقعدًا، وبالتالي منع نتنياهو من تشكيل الحكومة؟
بريك: أعتقد أنه من الصعب على غانتس إذا ما فاز حزبه ومعسكره بالأغلبية تشكيل حكومة، أولًا لأنه لن يعتمد على أصوات العرب، وثانيا لأن الأحزاب الحريدية أعلنت، بشكل واضح، أنّها لن تجلس في حكومة مع لبيد، أمّا بخصوص رئيس حزب "يسرائيل بيتينو"، أفيغدور ليبرمان، ووزير المالية في الحكومة الإسرائيليّة، موشيه كاحلون، فحتى لو وافقا على الانضمام لحكومة غانتس، فإنّ عدد مقاعدهما لا تكفي لتشكيل كتلة من 61 مقعدًا بدون العرب.
من هنا، فإنّ إستراتيجية غانتس، لبيد، يعالون وأشكنازي هي الحصول على كتلة مانعة من 61 عضو كنيست مع العرب، للحيلولة دون تشكيل نتنياهو للحكومة، ومن ثم التوجه لليكود ما بعد نتنياهو لتأليف "حكومة وحدة وطنية"، وقد كان تصريح لبيد الذي أدلى به يوم الأحد الفائت في كرمئيل واضحًا، حيث قال، "نحن بعد الانتخابات سنتوجه لليكود من دون نتنياهو لتشكيل الحكومة"، في إشارة إلى أنّ توجههم لليمين وليس لليسار، وعندما سئل إن كانوا سيتوجهون للعرب قال "نحن لن نتوجه للعرب" وكأن العرب خارج اللعبة ولا شرعية لهم.
عرب 48: ولكن هناك من العرب من يراهنون أو "يحلمون" بعودة الكتلة المانعة من عهد رابين، بل إن هناك من يقول إنّ أحد أسباب تفكيك المشتركة يعود إلى مراهنة بعض العرب على "كتلة مانعة"؟
بريك: يجب أن نوضّح، أولًا، أن هناك توجُهين للجسم المانع، نموذج الجسم المانع الذي كان في عهد حكومة رابين 92- 93، حيث جاء في حينه موشيه شاحل وقال أنتم تدعمون الحكومة من الخارج مقابل حزمة وعودات، وهناك جسم مانع "دي فاكتو" بمعنى أنه لا يوجد اتفاق بين الأحزاب العربية وبين غانتس، ولكنهم يشكّلون، موضوعيًا، جزءًا من الكتلة التي تمنع نتنياهو من تشكيل الحكومة أي عبر إبرام اتفاقٍ غير معلن.
برأيي، إنّ الجسم المانع من عهد حكومة رابين لن يتكرر، على الرّغم من أن وجود كتلتين عربيتين، وهو ما قد يسهل الموضوع بالنسبة لغانتس- لبيد للوهلة الأولى، حيث يبدو لهما أحمد طيبي وأيمن عودة أهون الشرين، خاصة إذا ما استذكرنا تصريحات لبيد بأنه لن يجلس مع ما وصفهم بـ"الزعبيز" (نسبة للنائبة حنين زعبي)، وتصريحات غانتس الأخيرة بأنّه لن يجلس مع الكهانيين ومع "بلد" في إشارة إلى التجمع.
ولكن، باعتقادي، فإنّ غانتس ولبيد لن يعتمدا على الأحزاب العربية عمومًا، وسيتوجهان نحو اليمين، أي باتجاه الليكود ما بعد نتنياهو، ليس فقط لأنه أقرب إليهما سياسيًا من العرب، بل لأن إستراتيجيتهما السياسية تقتضي ذلك، أيضًا.
عرب 48: ولكن هل هناك استعداد لدى بعض الأحزاب العربية لدعم حكومة غانتس من الخارج؟
بريك: لا أعرف مدى استعداد بعض الأحزاب العربية للمشاركة في حكومة تستند إلى أصواتهم من الخارج، ولكن لا أعتقد، وبغض النظرعن غانتس ولبيد، أن حزبًا فيه الجنرال يعالون من شأنه أن يستند إلى أصوات العرب، يجب أن نذكّر أن يعالون اتهم وزير الخارجية الأميركي الأسبق، جون كيري، عام 2014، بأنّه يهلوس، لمجرد أنّه قدم مقترحات تتضمن انسحابات من الضفة الغربية، وأنّه اقترح جلب مليون مستوطن وإسكانهم في الضفة الغربية.
عرب 48: نحن نعرف أن الأحزاب الحريدية كان همها الجلوس في الحكومة، ألا تعتقد أنها قد تلحس موقفها السابق وتنضم لحكومة غانتس لبيد؟
بريك: أولًا، موقف أحزاب الحريديين من لبيد هو موقف صلب وغير قابل للمساومة، فهم يعتقدون أنه مس بهم كثيرًا، قولًا وفعلًا، وضيّق الخناق عليهم وعلى مؤسساتهم عندما كان وزيرًا للمالية وهاجم قيادتهم الدينية والسياسية ووصف درعي باللص، وقد قالت هذه الأحزاب، بشكل واضح، أنّها لن تجلس في حكومة يكون فيها يائير لبيد.
من جانب آخر، فإنّ غانتس ولبيد، أيضًا، يفضّلان حكومةً مع الليكود على حكومة مع الحريديين ،كوسيلة لتحييدهم والحد من هيمنتهم على مركز القرار السياسي وتأثيرهم على الحياة العامة في إسرائيل. من ناحية ثانية، فإنّ نتنياهو سيكون من الصعب عليه إذا ما أسند إليه تشكيل الحكومة ضم حزب الكهانيين "عوتسما يهوديت"، رغم أنّه من صنعه وأنجحه، وأعتقد أنّه سيتوجه لغانتس لتشكيل "حكومة وحدة".
ولكن يجب أن ندرك أن أمامنا شهرًا ونصفَ الشهر على الانتخابات، وأن نتنياهو كرئيس للحكومة، هو لاعب مركزي في الساحة السياسية والانتخابية، وأمامه لاعب مركزي أخر هو المستشار القضائي للحكومة الإسرائيليّة وتداعيات قراراته المتعلقة بملفاته.
د. سليم بريك: محاضر في العلوم السياسية في الجامعة المفتوحة وكلية "عيمك يزراعيل" بحث في رسالة الدكتوراه "خصائص أعضاء الكنيست من الكنيست الـ13 وحتى الـ19" وله أبحاث عن الدروز والمدن المختلطة والسلوك السياسي للعرب في إسرائيل.
التعليقات