في قراءة أولية لنتائج الانتخابات الإسرائيلية، يمكن تسجيل جملة ملاحظات، أهمها تعزيز قوة الليكود كحزب حاكم بارتفاع عدد مقاعده من 30 إلى 35 مقعدا (بحسب نتائج غير نهائية)، مقابل تضاؤل قوة شركائه الائتلافيين إلى الحدود الدنيا، فقد هوى حزب "كولانو" برئاسة وزير المالية، موشيه كاحلون، من عشرة مقاعد إلى أربعة مقاعد، وتحطم حزب وزير التربية والتعليم نفتالي بينيت، ووزيرة القضاء أييلت شاكيد، اللذين كانا يتمتعان بثمانية مقاعد، عند حدود نسبة الحسم، حيث سيحصلان إذا ما نجيا بأصوات الجنود على أربعة مقاعد فقط، كذلك انخفض حزب وزير الأمن الأسبق، أفيغدور ليبرمان، من ستة إلى خمسة مقاعد.
اللافت، كان تعزيز تمثيل الأحزاب القطاعية الحريدية المتمثلة بـ"شاس" و"يهدوت هتوراه"، حيث حصل كل منهما على ثمانية مقاعد، أي بزيادة ثلاثة مقاعد عن الكنيست السابقة، الأمر الذي ترافق بتعزيز تحالف تلك الأحزاب وتماهيها السياسي مع معسكر اليمين، بعد أن كانت تشكل كتلة محايدة جاهزة للجلوس إلى مائدة أي حكومة بغض النظر عن هوية الشخص الذي يقف على رأسها.
هذا التحول ينسجم مع البعد الديمغرافي للانقسام السياسي في المجتمع الإسرائيلي، حيث باتت ثلاث مجموعات بشرية هي اليهود الشرقيون واليهود الروس واليهود الحريديون، تشكل قاعدة انتخابية شبه ثابتة لمعسكر اليمين، ما يجعل مسألة انتقال الأصوات من معسكر إلى آخر شبه مستحيلة. وقد رأينا كيف ذهبت أدراج الرياح جميع محاولات الجنرال بيني غانتس في استمالة أصوات من اليمين، فلم يجده نفعا ضم الجنرال اليميني المتطرف موشيه يعالون، ولا مصممي قانون القومية، تسفي هاوزر ويوعاز هندل، ولا عداد القتل خلال حرب الجرف الصامد على غزة (عدوان عام 2014)، والتهديد بإعادتها إلى العصر الحجري، ولا برنامجه السياسي اليميني، وأنفه من الجلوس مع العرب في حكومة واحدة أو تشكيل كتلة مانعة مع أحزابهم.
لقد عبر الوزير السابق يوسي بيلين، في تعقيبه على سبب سقوط غانتس، ببساطة متناهية، بقوله إن المجتمع الإسرائيلي منقسم بين معسكرين الأول هو اليمين والحريديون، والثاني هو اليسار- وسط والعرب، ولا يمكن لمن كان يخشى التقاط صورة له بجانب مواطن عربي، على حد تعبير زهافا غلؤون، أن يتوقع هرولة العرب إلى الصناديق لإقامة كتلة مانعة تمكنه من تشكيل الحكومة القادمة، خاصة وهم يدركون أن دورهم سينتهي عند هذا الحد، وأن حزب الجنرالات سيستعملهم جسر عبور إلى ليبرمان وكحلون والحريديين وربما لتشكيل حكومة وحدة مع الليكود.
العرب توقفوا عن كونهم احتياطي أصوات عند جنرالات حزب العمل والمتشبهين بهم، فقد أسقطوا عام 1996 شمعون بيرس، الذي سبق وأن دعموا حكومته المشتركة مع رابين، وذلك في أعقاب ارتكابه مجزرة قانا وشن حرب عناقيد الغضب على لبنان، رغم تخويفه بـ "بعبع" نتنياهو، كذلك أسقطوا إيهود باراك في انتخابات 2001، وهو الذي أنجحوه في انتخابات عام 1999، بعد أن خذلهم وقتل أبناءهم في أحداث أكتوبر 2000 دون أن يخافوا من "غول شارون".
واليوم، ما كان العرب ليمدوا أي يد لمساعدة من تعامل مع شهداء أبناء شعبهم في غزة كأرقام في عداد القتل الإسرائيلي، ومن يستعمل الكهانيين للتخفيف من عنصرية موقفه الرافض لجلوس أحزابهم على طاولة مشتركة أو الاستعانة بهم كجسم مانع، ويعتبرهم خارج نطاق الشرعية، وهو ينتظر في الوقت ذاته أن يقدم له العرب أصواتهم على طبق من ذهب.
وحري بمن لم يتصرف كقائد معسكر حتى بما يتعلق بالشركاء الآخرين غير العرب، حزب العمل وميرتس، أن يكون المعسكر مقتله، وحري بمن لم يطرح بديلا سياسيا لليمين، أن يعامل على أنه يمين "ب" وأن ترجح المفاضلة معه لصالح اليمين الأصلي.
وفيما يتعلق بالعرب، فقد أضيف إلى تحريض اليمين وتجاهل "اليسار" لهم، أيضا، خيبة الأمل العميقة من أحزابهم بسبب تفكيك القائمة المشتركة، انضمت إلى خيبتهم من القائمة المشتركة ذاتها التي لم تكن على قدر التوقعات العالية التي بنيت عليها، خاصة وأنها فشلت في مجابهة تشريع قانون القومية العنصري، ولم يكن ردها عليه بالمستوى المطلوب.
وقد عبرت الناس عن خيبة أملها تلك بطريقتين، الأولى تمثلت بالاستنكاف عن التصويت وخفض تمثيل الأحزاب العربية بثلاثة مقاعد، والثانية ارتفاع نسبة التصويت للأحزاب الصهيونية التي بلغت حوالي الـ30% من عدد المصوتين، وهي مؤشر على عودة الأحزاب الصهيونية للشارع العربي لأول مرة منذ انتفاضة الأقصى عام 2000.
التعليقات