لا حدود لنفاق أولئك الذين يتحدثون عن حقوق مدنية وميزانيات للعرب، شرط عدم الاقتراب من السياسة أو التخفيف منها.
هذا النفاق يريد تحميل مسؤولية التمييز العنصري للعرب أنفسهم، وبحجة أننا لم نخاطب أصحاب القرار في إسرائيل بطريقة صحيحة ومقنعة! ولأننا عاجزون عن إدارة قضايانا الملحة، بل ويتهمون سياسيينا بالانشغال بالقضية الفلسطينية، وكأن حضراتهم من البنغال، ولا علاقة لهم بالقضية الفلسطينية، وليسوا جزءا أساسيا منها شاؤوا أم أبوا، وليسوا ضحايا نظام عنصري يضعهم في مرتبة متدنية دستوريا عن المواطنين اليهود.
ما أشد نفاق أولئك الذين يريدون الظهور بمظهر المعتدلين، على حساب إخوانهم من العرب الذين يرفضون محاباة ومجاملة السلطات في ممارساتها العنصرية.
ما أشد نفاق أولئك الذين ضمّوا أصواتهم إلى أصوات العنصريين، حزّان وإردان ونتنياهو وغيرهم، في شيطنة النواب العرب، الذين لم يجاملوا في قول كلمة الحق في وجه السلطة الجائرة، وخصوصا نواب التجمع الوطني الديمقراطي.
ما أشد نفاق أولئك الذين يريدون من ممثلي الجمهور العربي التحدث بثلاث لغات، واحدة في الشارع العربي على منصة يوم الأرض مثلا، وواحدة بين جدران البيوت وفي الغرف المغلقة، وثالثة على منبر الكنيست، جبنا منهم في مواجهة السلطة بحقيقة عنصريتها الفاجرة.
ما أشد نفاق أو سذاجة أولئك الذين يريدون وضع مخططات السلطة في تهجير أهل النقب على كاهل القائمة المشتركة، ويتساءلون بعد كل عملية هدم... أين المشتركة؟ وكأن المخطط الذي عُمره عقودا لا يحتاج سوى لكشة صغيرة من المشتركة ليتوقف، علما أن مظاهرات عديدة أقامها نشطاء من مختلف مركبات المشتركة ومن خارجها، ولم نرهم فيها، لا من قريب ولا من بعيد.
ما أشد نفاق أولئك الذين يتساءلون كيف ممكن للتجمع العلماني أن يخوض الانتخابات في تحالف مع الحركة الإسلامية؟ وسواء تم التحالف بين الإسلامية والتجمع أم لم يتم، فإن الإسلامية وجمهورها لم يأتوا من المريخ، ثم لماذا تحرّك هؤلاء في شيطنة الإسلامية لمجرد اقترابها من التجمع؟ أين كان هذا الكلام من قبل؟
ما أشد نفاق هؤلاء الذين يقبلون بتشويه صورة النواب العرب، كي يظهروا مختلفين و"عقلانيين" وعربا جيدين، في مواجهة العرب المتطرفين.
هنالك تيار قوي بين الجماهير العربية، يرى في بعض القوى الوطنية وعلى رأسها التجمع الوطني الديمقراطي، عقبة أمام الانبطاح الشامل والإعلان بأن لا حول لنا ولا قوة سوى الاستسلام التام للسلطة، هذا التيار يجد في الهجوم على التجمع الوطني الديمقراطي بالذات عملا سهلا لسببين، أولا لأنهم يلتقون بهذا مع بيبي نتنياهو الذي هيأ الأجواء في العداء للتجمع بتواطؤ بعض القياديين العرب (الشاطرين)، خصوصا بعد قضية الدكتور باسل غطاس، وثانيا لأن التجمعيين لا يردون عليهم من منطلق استصغارهم، ومعروف أن (الإيجو) عال جدا عند التجمعيين، ولأنه ليس لدى التجمع مجموعة من الرّداحين لتنشغل بهم.
المنافقون هاجموا الدكتور باسل غطاس وحنين زعبي والدكتور زحالقة، لأن "خطابهم لا يخدم قضايا شعبنا"، وبين حين وآخر يتهمون الدكتور عزمي بشارة بما يحدث في فنزويلا والسودان، وليس فقط في سورية وليبيا واليمن.
المنافقون يتساءلون، أين الديمقراطية في الأحزاب العربية؟ ولماذا لا يفتح النواب العرب الطريق لغيرهم؟ ويتجاهلون أن حنين الزعبي ود. زحالقة أعلنا عدم ترشحهما للكنيست، وبأنه جرى انتخاب قائمة التجمع بفارق طفيف من الأصوات بين المرشحين، وهو أمر لم نره بأي حزب آخر.
ما أن تحدث جريمة قتل في المجتمع العربي، حتى يوجهون إصبع الاتهام والتساؤل إلى المشتركة، في نفاق بائس للسلطة وللشرطة التي تتقاعس في كشف المجرمين في المجتمع العربي.
في كل بلد يوجد غير راضين عن الأحزاب العربية، لأسباب معظمها انتخابات السلطات المحلية، وما تتركه من شحناء بين الناس، المنافقون يردون إظهار الزعلانين وكأنهم جمهور واحد يحمل أيديولوجيا موحدة ضد هذا الفكر أو ذاك.
نفس الأصوات التي طالبت بعدم بقاء أعضاء كنيست عرب لأكثر من عشر سنوات، يملأون أفواههم ماء عندما يتعلق الأمر بعضو آخر يجلس في الكنيست أكثر من عشرين سنة.
نفس الأصوات الذين تتحدث عن غمط حق النساء، تصمت عندما يتعلق الأمر بقائمة لا تجري انتخابات من أصله، ومن الواضح أن الذي سيقرر قائمة مرشيحها شخص واحد وليس أكثر.
هناك تيار خجول، ولكنه موجود، يريد أن يقتصر نضال العرب على بعض النكات وكلمات المجاملة والتلاعبات اللفظية مع هذا وذاك على منصة الكنيست، وهؤلاء ليسوا أغبياء، ويدركون بأن هذا لن يغير السياسة العامة، ولكن طموحهم هو رفع الراية البيضاء، وأن يكونوا جميلين بأعين السلطة، فما يهمهم هو أن مصالحهم ووظائفهم بخير، معتمدين على رضا السلطة عنهم من خلال تشويه العاملين من أبناء شعبهم، الذين يحاولون تغيير هذا الواقع التعيس.
المنافقون لا يريدون نضالا من أصله، ولا يؤمنون بقدرة الجماهير على تحسين وضعها، إلا بالنفاق والمجاملات التي لم ولن تؤدي إلى شيء، سوى المزيد من التمييز العنصري.
اقرأ/ي أيضًا | أطفال في قبضة "سمارتفون"...
التعليقات