مع افتتاح رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الأسبق، بيني غانتس، حملته الانتخابية يتجدد النقاش في إسرائيل حول دوره، كرئيس أركان للجيش، في الحرب العدوانية الأخيرة على قطاع غزة، في صيف عام 2014، والتي أطلق عليها جيش الاحتلال "الجرف الصامد".
وفي حين تفاخر غانتس بأعداد الضحايا والمصابين في الجانب الفلسطيني، والدمار الهائل في قطاع غزة، والذي وصفه بقوله إن "بعضا من أحيائها أعيد إلى العصر الحجري"، يتضح، بحسب التحليلات العسكرية الإسرائيلية أن الجيش توجه إلى حرب لم يكن مستعدا لها، وامتدت لفترة طويلة دون تحقيق إنجازات ملموسة، وقتل فيها 68 جنديا إسرائيليا، وبالتالي فإن التحليلات تقر بأن الحرب لم "تكن نجاحا مذهلا، كما يعرض في الحملات الانتخابية، وإنما كانت مليئة بالإخفاقات وخيبات الأمل"، ولا يتحمل مسؤولية ذلك غانتس لوحده، وإنما رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، أيضا.
وبحسب ضباط عملوا في هيئة أركان الجيش، أثناء ترؤس غانتس للأركان، فإن الاستعدادات للحرب لم تكن كافية، وكانت تعج بالإخفاقات. كما أن سنوات الهدوء النسبي التي أعقبت الحرب لم تكن بسبب أداء الجيش خلال الحرب، كما حصل على الحدود الشمالية مع لبنان بعد الحرب العدوانية عام 2006، وإنما بسبب توازنات القوى الأساسية بين الطرفين.
وفي هذا الإطار كتب المحلل العسكري لصحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، أنه رغم التفوق العسكري لإسرائيل على حركة حماس، فإن غياب عملية سياسية مكملة تجعل الهدوء نسبيا ومؤقتا.
كما يشير إلى أن المشكلة الأساسية التي تواجهها إسرائيل معروفة من الحروب السابقة عام 2006 على لبنان، و"الرصاص المصبوب" عام 2008، و"عامود السحاب" عام 2012، وهي أنه "في عصر الحروب غير المتجانسة فإن إسرائيل تجد صعوبة في تحقيق انتصارات حاسمة"، وإن الحرب الأخيرة (2014) كانت مثل سابقاتها "تعادلا معوجا ومحبطا".
وبحسبه، فإن حزب الله في لبنان وحماس في قطاع غزة استعدا للحرب بطريقة صعّبت على الجيش الإسرائيلي هزيمتهما، وعندما حاول الجيش نقل ساحة الحرب إلى منطقة "الخصم" كان لذلك ثمن دفعه الجيش من خلال الخسائر الكبيرة، كما أن تزايد أعداد القتلى المدنيين في الطرفين الفلسطيني واللبناني استدعى انتقادات دولية وضغوطات على الحكومة الإسرائيلية لوقف الحرب بسرعة.
يشار في هذا السياق أيضا إلى أن مراقب الدولة الإسرائيلي كان قد أشار في تقريره، في حينه، إلى أن الحكومة الإسرائيلية لم تناقش بدائل إستراتيجية لحصار قطاع غزة. وتفاقم الأمر بعد اختطاف ثلاثة مستوطنين في حزيران/ يونيو 2014، ورفض إسرائيل تقديم تسهيلات إنسانية لقطاع غزة، وكان هناك دور لوزير الأمن في حينه، موشي يعالون، الذي انضم إلى غانتس هذا الأسبوع.
ويشير هرئيل إلى أن الإخفاقات وخيبات الأمل من وضع القوات البرية في الجيش الإسرائيلي حصلت في ولاية كل من إيهود باراك ويعالون في وزارة الأمن، وغانتس في رئاسة أركان الجيش. وبحسبه، فإن ذلك هو الذي دفع رئيس أركان الجيش السابق، غادي آيزنكوت، قبل أسبوعين، إلى التصريح بأنه عمل في السنوات الأخيرة على إعادة بناء القوات البرية.
ويتضح أن الجيش الإسرائيلي خلال ولاية غانتس في هيئة الأركان لم يتمكن من تطبيق خطتين متعددتي السنوات بسبب الخلافات مع المستويات السياسية، كما أن الجيش أوقف التدريبات لمدة ستة شهور بشكل تام في الأسابيع التي سبقت الحرب على غزة.
وبعد أسبوع من بدء الحرب العدوانية على قطاع غزة، وافقت حكومة نتنياهو على وقف إطلاق النار بناء على اقتراح مصري، إلا أن حركة حماس رفضت. وبعد يومين، خرج بضعة مقاتلين من حركة حماس من أحد الأنفاق الهجومية قرب كيبوتس "سوفا"، الأمر الذي هز الرأي العام الإسرائيلي وأوقع ذعرا كبيرا في المستوطنات المحيطة بالقطاع، وعندها فقط تقرر القيام بعملية برية محدودة لتدمير الأنفاق الهجومية.
ويشير المحلل العسكري إلى أن القوات البرية واجهت مشكلة عامة على مستوى كافة الوحدات، ومشكلة خاصة في جهلها لـ"تحدي الأنفاق"، حيث توجه الجيش لمعالجة أمر الأنفاق وهو غير مستعد لذلك، كما أن المعلومات الاستخبارية بهذا الشأن كانت محدودة وجزئية، ولم تتوفر الأدوات المناسبة لدى القوات البرية. ورغم أن تقديرات يعالون، في حينه، قد أشارت إلى أن تدمير الأنفاق سوف يستغرق يومين أو ثلاثة أيام، إلا أنه على أرض الواقع استمر أكثر من شهر.
ويضيف أن يعالون وغانتس كانا يعلمان أن المجلس الوزاري المصغر يرسل الجيش إلى مهمة ليس مستعدا لها، وبدون خطة عملية مناسبة. ويشير إلى أن نفتالي بينيت الذي هاجم غانتس، هذا الأسبوع، قد اقتبس أقوالا قيلت في المجلس الوزاري المصغر في حينه، حين طالب بينيت بالعمل، حيث حذر يعالون من تحويل عملية تدمير الأنفاق إلى هدف الحرب، بينما قال غانتس إن الحرب قد تجر الجيش إلى احتلال قطاع غزة.
وكتب أن أهم ما في الأمر هو "ما لم يقله غانتس ويعالون، حيث أنه كان يجب أن يعرفا أن الجيش ليس مستعدا لتنفيذ هذه المهمة، فهما لم يوضحا ذلك أمام المجلس الوزاري المصغر والحكومة، وإنما أرسلوا الجيش إلى عملية عسكرية، واعتمدوا على أداء القادة الميدانيين"، وكانت النتيجة أن "العملية كانت مترددة، وطويلة وذات إنجازات محدودة، قتل فيها 68 جنديا، وامتدت على 50 يوما دون أن تؤدي إلى الانتصار على حركة حماس".
كما يتطرق المحلل العسكري إلى مشكلة أخرى تتصل في المجال الاستخباري، حيث تفاخر الجيش طوال الحرب بضخ معلومات استخبارية بشكل غير مسبوق للوحدات العسكرية، ولكن كان هناك نقص في المعلومات الاستخبارية بشأن تهديد الأنفاق. كما أن الاستخبارات العسكرية في الجيش أخطأت عدة مرات في تقديم توقعات متفائلة بشأن جاهزية حماس للتوصل إلى وقف إطلاق النار، والتي تبددت خلال أيام الحرب، علما أن مراقب الدولة وجه انتقادات "معتدلة نسبيا" لأداء الاستخبارات العسكرية، والتي ترأسها في حينه آفيف كوخافي، الذي صادق نتنياهو على تعيينه رئيسا لأركان الجيش، كما صادق على تعيين غانتس من قبل.
وجاء أن فداحة الفشل قد تجلت بالكامل في التحقيقات الداخلية التي أجرتها هيئة أركان الجيش، وتبين أن الجيش اتجه لحرب لا تلائم استعداداته، كما أن النيران التي أطلقت كانت هائلة ومروعة، وفي جزء كبير منها لم تكن فعالة، وأن استخدام الذخيرة والمخزون الاحتياطي وضع الجيش بشكل خطير قريبا من الخطوط الحمراء التي وضعها لنفسه، كما أن نتائج معالجة الأنفاق الهجومية كانت أبعد ما يكون عن "الرواية الوردية" التي تسوق للجمهور.
وبحسب هرئيل، فإن اكتشاف 17 نفقا هجوميا قرب الحدود في السنتين الأخيرتين، أثناء وضع الجدار الحديدي تحت الأرض كحاجز أمام الأنفاق، تظهر أن عملية تدمير الأنفاق خلال "الجرف الصامد" لم تستكمل، حيث أن الجيش دمر أجزاء منها، وأعادت حماس ترميمها، كما أن أنفاقا أخرى لم يتم اكتشافها خلال الحرب.
ويخلص إلى أن القوات البرية في الجيش الإسرائيلي توجهت إلى الحرب في وضع متدن، ولم توفر الخطة العملية البديلة المقترحة، التي تضمنت إنزال ضربات عن بعد، حلا للمشكلة. وعندما ألقيت عليها مهمة الأنفاق تبين أنها ليست مستعدة كما هو مطلوب، وينضاف إلى ذلك عدم التبليغ عن حقيقة الوضع، كما حصل خلال الحرب على لبنان عام 2006، حيث أن غالبية الوزراء لم يكونوا على علم بخطورة النواقص عندما صادقوا على الحرب الهجومية، وبالنتيجة فإن "الجرف الصامد لن تدخل تاريخ الجيش كعملية يفاخر بها. وربما ولت أيام العمليات التي يمكن المفاخرة بها".
التعليقات