31/10/2010 - 11:02

اغتيال مغنية: بداية الحرب الـمفتوحة../ هاني المصري

اغتيال مغنية: بداية الحرب الـمفتوحة../ هاني المصري
من حق إسرائيل وخصوصاً قيادتها وأجهزتها السياسية والأمنية، أن تفخر باغتيال الـمقاوم البارز عماد مغنية، القائد العسكري لحزب اللّه، الحزب الذي ألحق بصموده الأسطوري هزيمة عسكرية مذلة بالجيش الإسرائيلي دفعت لجنة فينوغراد الإسرائيلية الرسمية إلى الإقرار بأن هناك إخفاقات إسرائيلية سياسية وعسكرية كبيرة ظهرت في حرب تموز 2006، حيث استطاع حزب صغير شبه عسكري يضم الآلاف الصمود حوالي خمسة أسابيع في وجه الجيش الإسرائيلي الـمتقدم تقنياً وعلى كافة الأصعدة والـمستويات.

إن عملية اغتيال الـمطلوب رقم واحد للولايات الـمتحدة الأميركية وإسرائيل، وأحد أهم الـمسؤولين البارزين عن انتصار لبنان على إسرائيل، والـمسؤول الـمباشر عن تنفيذ سلسلة من العمليات النوعية التي سقط ضحيتها مئات من الجنود الأميركيين (الـمارينز) والإسرائيليين لدرجة رصد الولايات الـمتحدة الأميركية 25 مليون دولار لـمن يدلي بأية معلومات عن عماد مغنية، الذي لقّبته بالشبح نظراً لحذره الشديد، والتغييرات الـمستمرة في شكله، والسرية التامة لتحركاته.

إن هذه العملية تعتبر من حيث الهدف والزمان والـمكان والأسلوب إنجازاً إسرائيلياً كبيراً لا يجب الاستهانة به أو التقليل من أهميته ومغزاه لإسرائيل وعند سورية وإيران وحزب اللّه، كونه يظهر قدرة إسرائيل على تنفيذ عمليات معقّدة ودقيقة تستهدف رؤوساً كبيرة جداً، مما يدل على وجود خلل ما في إجراءات الأمن والحماية والإجراءات الأمنية الـمتبعة يجب الـمسارعة لتشخيصه ومعالجته قبل أن يتوسع، وقبل أن يسبب خسائر فادحة جديدة، وإنجازات كبرى أخرى لإسرائيل.

الدوافع والأهداف الإسرائيلية من العملية معروفة تماماً، فالعملية أولاً تأتي كرد اعتبار للجيش الإسرائيلي بعد حرب تموز، وثانياً هي محاولة لترميم نظرية الردع الإسرائيلية التي سقطت سقوطاً مدوياً في هذه الحرب، حين استطاعت الـمقاومة اللبنانية أن تصمد وتطيل الحرب، وردت رداً قوياً بنقل الـمعركة إلى داخل إسرائيل وإمساك زمام الـمبادرة حتى اللحظة الأخيرة، بحيث بادرت إسرائيل بشن الحرب ولـم تتحكم بوقفها ولا بنتيجتها.

إن عملية الاغتيال تبرهن بالدم الذي أراقته، وبالـمجازفة الكبيرة التي انطوت عليها أن إسرائيل لـم تسلّم بهزيمتها، وانها تسعى وتستعد للحرب الـمقبلة، التي ستحاول من خلالها إعادة هيبتها الـمفقودة، لأن إسرائيل لا تؤمن سوى بمنطق القوة، وإن ما لا تحققه القوة يمكن تحقيقه باستخدام الـمزيد من القوة. وأكبر الإشارات على النوايا والـمخططات الإسرائيلية قبل حادثة الاغتيال الأخيرة، إقدام الطائرات الإسرائيلية على قصف موقع سوري، والحرب الـمفتوحة على غزة والتي تستطيع إسرائيل إيقافها لو أرادت بالـموافقة على دعوات التهدئة الـمتبادلة التي أطلقتها "حماس" أكثر من مرة، والتهديدات والاستعدادات لتوجيه ضربة عسكرية لحزب اللّه وسورية وإيران، إذا لـم تنجح العقوبات الدولية في وقف برنامجها النووي، والأهم الحد من طموح إيران للعب دور إقليمي استراتيجي من شأنه منافسة إسرائيل، التي تسعى للعب دور مركزي، دور الدولة الـمهيمنة بصورة شبه انفرادية على الإقليم بأسره، على حساب الدور العربي الـمفقود وأدوار اللاعبين الآخرين في الـمنطقة خصوصاً تركيا وإيران.

وأكثر ما يقلق في ردود الفعل على اغتيال عماد مغنية هو رد الفعل الأميركي، حيث أشاد ناطق رسمي أميركي في العملية متجاوزاً كونها قرصنة دولية، واعتبر أن العالـم سيكون أفضل بعد رحيل مغنية، بدون أن تراعي الولايات الـمتحدة الأميركية مسؤولياتها كأقوى دولة في العالـم، بحفظ الأمن والسلـم الدوليين، حيث من الـمفترض أن يدفعها ذلك لرفض وإدانة أي عملية اغتيال خارج القانون والقضاء، ويتم فيها انتهاك سيادة دولة عضو في الأمم الـمتحدة التي يؤكد قانونها والأنظمة الـمعتمدة فيها على حق الدول في عدم الـمساس بسيادتها بأي شكل من الأشكال، خصوصاً من دولة أخرى عضو في نفس الـمنظمة الدولية، ولكن هذه الدولة التي هي إسرائيل وضعتها الولايات الـمتحدة الأميركية دائماً بالحماية والدعم كدولة فوق القانون الدولي.

بعد الفرح العميم في إسرائيل، وبعد أن تلقى إيهود أولـمرت التهاني بنجاح عملية اغتيال مغنية من أعضاء الكنيست، بدون تأكيد أو نفي منه أن إسرائيل هي التي نفذتها، ورغم صدور نفي رسمي إسرائيلي بهدف التضليل وبث الفتنة، ولعدم تحمّل الـمسؤولية القانونية والسياسية عن العملية وعما يمكن أن يحدث من عمليات انتقام وردود أفعال بسببها، اختفت الابتسامة الساخرة عن وجوه قادة إسرائيل بعد تهديدات زعيم حزب اللّه، والـمقاومة اللبنانية حسن نصر اللّه. فالصحف الإسرائيلية كانت أكثر مسؤولية وحذراً من الحكومة وحذرت الإسرائيليين من الانتقام، وبعض الإسرائيليين وصلوا إلى انتقاد الخطوة لأنها فتحت بوابة الانتقام، والانتقام الـمضاد، وأظهرت إسرائيل كمن يصب الوقود على نار الاستقطاب الداخلي في لبنان، ونار التوتر الذي تشهده الـمنطقة بأسرها، وأعطت بذلك لحزب اللّه عذراً كافياً وسبباً وجيهاً لاعتبار حرب تموز لـم تنته.

ولأن الحرب الـمفتوحة ستكون خارج الأراضي اللبنانية، الأمر الذي يجعل كل قائد إسرائيلي، وكل مصالح إسرائيل على امتداد العالـم، هدفاً محتملاً لانتقام حزب اللّه الذي أعلن نصر اللّه عن الجهوزية التامة لصد أي عدوان، واعتبر أن اغتيال مغنية يؤرخ لبدء سقوط إسرائيل، مثلـما كان اغتيال راغب حرب العام 1984 بداية لخروج الصهاينة من بيروت ولبنان باستثناء الشريط الحدودي في الجنوب، ودم عباس الـموسوي الأمين العام السابق لحزب اللّه الذي اغتالته إسرائيل في العام 1993 بداية لخروجها من الشريط الحدودي باستثناء مزارع شبعا.

إسرائيل كلها: قادة وحكومة وجيشا وأحزابا ورأيا عاما، تأخذ تهديدات نصر اللّه على محمل الجد كما صرح بذلك وزير الحرب ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي وقائد الـمنطقة الشمالية. فحكومة إسرائيل أصدرت التعليمات للجميع، خصوصاً لـمن يعنيهم الأمر أكثر من غيرهم، وعلى امتداد العالـم كله، الاستنفار وأخذ الحيطة والحذر، ناصحة الإسرائيليين كلهم بعدم زيارة الدول العربية في هذه الفترة على الأقل.

لو أرادت إسرائيل السلام أو تفكر فعلاً بالسلام لـما اغتالت مغنية الذي يفتح اغتياله الطريق لسلسلة من أعمال الانتقام والانتقام الـمضاد. فمن يزرع الكراهية والـموت يحصد الخوف والـموت. يستطيع حزب اللّه صاحب الوعد الصادق، والعمود الفقري للـمقاومة اللبنانية التي دحرت الجيش الإسرائيلي عامي 2000، 2006، ويستطيع حسن نصر اللّه كعادته أن يفي بوعوده . ، ولا يوجد ما يبرر عدم تصديقه هذه الـمرة، فإذا كانت إسرائيل تصدقه، لـماذا لا نصدقه نحن؟!
"الأيام"

التعليقات