11/04/2021 - 19:34

الانتخابات الأخيرة: مختصر عن نتائج قادمة من المستقبل

"التأثير" قول كانت ادّعته المشتركة في أكثر من حملة انتخابية، وتمثّل في حملاتها الانتخابية بالتعبئة ضد إسقاط نتنياهو، ثم مشاركتها في مداولات تكليف تشكيل الحكومة التي نعرفها بـ"التوصية"، فأوصت المشتركة في حينه على غانتس مرّتين.

الانتخابات الأخيرة: مختصر عن نتائج قادمة من المستقبل

(أ ب)

ليست نتائج انتخابات الكنيست الأخيرة مجرّد نتيجة لفرز انتخابي متعلق بها، بقدر ما دلّت على أنها تحصيل حاصل لأزمة سياسية متراكمة أخفقت القائمة المشتركة فيها في قيادة المجتمع العربي في الداخل. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى جاءت النتائج بمؤشرات تؤكد على أننا أمام مرحلة جديدة لناحية السياسي - الاجتماعي من حياة مجتمعنا العربي في الداخل.

بنسبة تصويت لم تتعدَّ الـ46% في مجتمعنا العربي، استطاعت القائمة العربية الموحدة (الإسلامية الجنوبية) في ظل الفرز الانتخابي – الاجتماعي، الحصول على أربعة مقاعد، ولو أنّها وقعت اتفاقية فائض أصوات مع المشتركة لثبت المقعد الخامس لديها. والأهمّ، ليس في عبور الموحدة نسبة الحسم والتراجع المدوّي للمشتركة، إنما في العودة الملحوظة للأحزاب الصهيونية إلى الساحة العربية، بعد أن جرى كنسها تقريبا في الانتخابات قبل هذه الأخيرة، فقد حصلت الأحزاب اليهودية في هذه الجولة على ما يقارب مئة ألف صوت، مما يدلنا ذلك أيضا على عودة محتملة سيكون فيها الحزب الصهيوني أكثر حضورا داخل أي بيت عربي في البلاد.

عن السياسة كـ"وعد"

لا يسأل الرابح لمَ ربح؟ إنما الخاسر، هو من يُسأل عن خسارته. وبالتالي، لسنا في موضع فحص أسباب نجاح القائمة الموحدة في اجتياز نسبة الحسم والفوز بأربعة مقاعد، ولا حتى بخطاب حملتها الذي جدلت فيه "الواقعية والتأثير بالمحافظة والالتزام"، غير أن الاستياء الجماهيري من القائمة المشتركة قبل انشقاق الموحدة، قد تحول بفعل الانشقاق عنها إلى اصطفاف ضدّها، ليصبح المنشقُ كما لو أنه هو من يحمل الوعد للناس. فطالما أنّ السياسة في الأخير هي "وعد"، فإن لم تفِ به، عليك الحفاظ عليه.

لم تستطع القائمة المشتركة الإيفاء بوعدها لجماهيرها، بما عناه هذا الوعد سياسيا كتأثير ممكن في خارطة السياسة الإسرائيلية، والذي تورّطت المشتركة فيه وغرّرت الناس به، إنما أيضا لم تحافظ المشتركة على ذلك الوعد، بعد أن دبّت الخلافات بين بعض مركباتها، في غياب برنامج سياسي ناظم للمشتركة كجسم انتخابي جامع للعرب في الداخل. لم تكن أزمة المشتركة في الذي لم تنجزه للناس في وعدها، إنما في عدم قدرتها الحفاظ على وعدها لهم، مما جعل الانشقاق عنها فرصة لسداد الحساب معها، إما بدعم المنشق، أو بالذهاب للأحزاب الصهيونية أو المقاطعة كليا للانتخابات؛ إلى أن صرنا أمام "إكرام الميت دفنه"، فالمشتركة مشروع انتهى، وبلا رجعة.

"التأثير" وفلتانه

العمل من أجل تحقيق مطالب ملحة وحارقة لمجتمعنا العربي في البلاد ضرورة لا جدال عليها، لكن أين يقف خطاب "التأثير" الذي جرى تكثيفه على مدار عامين من تحقيق الحارق والمُلِحّ؟ وما شكل السياسي الذي أنتجه فينا خطاب التأثير؟

"التأثير" قول كانت ادّعته المشتركة في أكثر من حملة انتخابية، وتمثّل في حملاتها الانتخابية بالتعبئة لإسقاط نتنياهو، ثم مشاركتها في مداولات تكليف تشكيل الحكومة التي نعرفها بـ"التوصية"، فأوصت المشتركة في حينه على غانتس مرّتين.

لم تنتبه المشتركة لفعل التوصية المحفوف بمخاطر الانزلاق نحو الأسرلة بالضرورة، لأنه فعل أفلت منها. بالتالي، لم يمنع ذلك القائمة الموحدة من الذهاب بعد انشقاقها أبعد مما تخيلته مركبات المشتركة الأخرى، في الاستعداد أن تدعم الموحدة أي حكومة قادمة ممكنة. وهذا فلتان سياسي ليس فيه قول سوى إنّ الموحدة قد سبقت المشتركة بخطوة، فمنصور عباس ليس إلا سارقًا لمشروع أيمن عودة بتعبير أحد الأصدقاء. بالطبع، لم يقف الفلتان هنا، إنما تدحرج نحو ذهاب شريحة من مجتمعنا العربي والتصويت في الانتخابات الأخيرة للأحزاب اليهودية مباشرة - وهذا ذهاب على أقدامنا إليها، أكثر مما هو عودة لها إلينا - والليكود على رأسها، وحتى المقاطعون، فجزء لا يستهان به، قد قاطع بعد أن خاب أمله بإمكان "التأثير".

نحن إلى أين؟

في المحصّلة لم نؤثّر، لكن "دخول الحمام ليس مثل الخروج منه" كما يقول أهل المثل؛ فالتأثير الذي لم يحدث، أحدثَ أثرًا على شكل السياسي الذي بات يستقر ذهنيا لدى كثير من فئات مجتمعنا العربي، على أن مطالبنا وحقوقنا المدنية صارت مشروطة بشكل تعاطينا مع الحكومة، وليس من مواطنتنا المفترضة في الدولة، وقبل ذلك من حقنا كجماعة قومية من أهل البلاد وأصحاب الأرض فيها. لذا، ما الذي يمنع الناس مستقبلا الذهاب والتصويت مباشرة للأحزاب الصهيونية القادرة على تشكيل الحكومات؟! وهذا مسار لا يقود إلا إلى اتجاه واحد، الأسرلة والتشوه ومزيد من الفجوات والهوات والمطالب الحارقة.

لم تعد الأسرلة أو الصهينة، تعني ما كانت تعنيه، من تخلي العربي الفلسطيني في الداخل عن ثقافته، برفعه علم إسرائيل أو حديثه بالعبرية في بيئته المحلية، فتلك ملامحها في الثمانينيات ومطلع التسعينيات من القرن الماضي. فيما الأسرلة القائمة وأشكالها القادمة، هي تلك التي تختزل هوية الفلسطيني في الداخل بثقافته كفلكلور أو نمط تدين، منزوعة من أي فعل سياسي - وطني ممكن، إلا بأفق صهيوني.

التعليقات