07/04/2021 - 15:46

انتكاسة الخطاب وليس المقاعد

إن الانتكاسة ليست في خسارة مقعد أو مقعدين أو ثلاثة مقاعد، بل الانتكاسة في أن الخطاب الوطني لم يعد هناك أي تنظيم حزبي قوي، تنظيميًا وسياسيًا، يقدر على حمله وتطويره والترويج له.

انتكاسة الخطاب وليس المقاعد

تعيش الساحة الحزبية الفلسطينية، في مناطق السلطة الفلسطينية وفي الداخل (48)، أزمة حقيقية قادت إلى انشقاقات وخلافات في القوائم المحسوبة على اليسار (يسار حركة "فتح")، وفي حركة "فتح" ذاتها بعد تشكيل الأسير مروان البرغوثي قائمة "الحرية" بالشراكة مع ناصر القدوة، وكذلك الحال في انشقاق القائمة "الموحدة" عن القائمة المشتركة.

والأزمة الحزبية ناتجة أساسًا عن غياب مشروع وطني، وعدم قدرة الأحزاب والفصائل على التجديد على مستوى الخطاب السياسي والوطني، وعلى المستوى التنظيمي الحزبي، خصوصًا في الفصائل اليسارية، وليس فقط.

أما في الساحة الحزبية العربية في إسرائيل، فإن الاستنتاج الذي خرجت به قيادات حزبية يفيد بأن انتكاسة القائمة المشتركة في الانتخابات الأخيرة وعزوف غالبية المصوتين عن المشاركة في الانتخابات وهبوط المشتركة من 15 مقعدًا إلى 6 مقاعد بعد انشقاق "الموحدة" بأربعة مقاعد، هي خطأ "تقني" يتعلق بسوء إدارة الحملة الانتخابية، أو عدم استنفار الكوادر الحزبية في المعركة الانتخابية (تحميل الكوادر المسؤولية ادعاء يتكرر بعد كل إخفاق هربًا من أن تتحمل القيادة مسؤولية أي شيء).

وإذا كانت الانتكاسة بنظر تلك القيادات هي عددية، أي خسارة في عدد المقاعد، فإننا أمام حالة خطيرة جدًا من إنكار الواقع ومحاولة التهرب من المسؤولية على الفشل، بغض النظر عن أسبابه، ذاتية أم موضوعية، والتعويل على انتخابات خامسة للتهرب من المسؤولية والمساءلة. وهذا خطير لأنه يعني أن الميزان الوطني والسياسي والحزبي تحول إلى عدد مقاعد، وليس في مدى تراجع الخطاب الوطني، واختفاء الأحزاب من المشهد العام إلا في فترة الانتخابات.

إن الانتكاسة ليست في خسارة مقعد أو مقعدين أو ثلاثة مقاعد، بل الانتكاسة في أن الخطاب الوطني لم يعد هناك أي تنظيم حزبي قوي، تنظيميًا وسياسيًا، يقدر على حمله وتطويره والترويج له.

من يرى أن الانتكاسة هي في عدد المقاعد وليس في انتكاسة المشروع والخطاب الوطني، أي خسارة التمويل البرلماني، فإنه سيقود إلى اندثار المشروع الوطني وخطابه في الانتخابات المقبلة، لأن المشروع الوطني لا يقوم على عدد النواب في الكنيست، بل في وجود قوة تنظيمية قادرة على حمله وتطويره. إن تبسيط الأمر وكأنها انتكاسة بالمقاعد وخطأ "تقني"، وتجاهل التراجع في الخطاب والمشروع الوطنيين، الممتد على مدار سنوات، يقود بالضرورة إلى أحد الاستنتاجات التالية: إما استغفال للناس وأعضاء الأحزاب؛ وإما اعتبار العمل الحزبي مجرد وظيفة ومصدر معيشة؛ وانفصال كبير عن الواقع بحيث يصبح ليس ذا صلة بالواقع؛ أو كلها مجتمعة.

الانتكاسة ليست في الانتخابات الأخيرة أو في عدد المقاعد؛ الانتكاسة انعكست في الانتخابات المتكررة في العامين الأخيرين على مستوى الخطاب السياسي، والاتكال الكلي للأحزاب الوطنية على الكنيست، بحيث أصبحت هي المعيار لتحديد النجاح والإخفاق، فيما المعيار الحقيقي يجب أن يكون مدى قدرة وصلاحية التنظيمات الحزبية في شكلها الحالي، على التطور والانتشار الجماهيري وتحفيز الكوادر واستقطاب طاقات جديدة والإبداع، أي بمدى قدرتها على حمل المشروع والخطاب الوطني، ووضع حد لحالة التدهور الوطني الحاصلة.

إن سمتين تتشاركها التنظيمات الحزبية والفصائلية على طرفي الخط الأخضر، وتحديدًا اليسارية؛ الأولى، تكلس التنظيم لدرجة تحوله إلى متقادم ومتهالك لا يصلح للمرحلة، ولدرجة مواجهة خطر الاندثار؛ عزوف الكوادر وتحديدًا الشابة عن الأحزاب، لأن هذه التنظيمات بشكلها الحالي باتت عاجزة عن طرح مشاريع وطنية وسياسية، وصارت أقرب إلى "أولغارشية حزبية" بتعبير ماكس فيبر.

أدى كل ذلك إلى فقدان التنظيمات الحزبية لهويتها لدرجة عدم القدرة على التمييز بينها؛ ونتيجة ضعفها التنظيمي وتنفير الكوادر بسبب تكلسها وتحجرها، أي تراجع حضورها الميداني، دفعها للبحث عن "وجبات سريعة" انتخابية، للتعويض عن ضعفها التنظيمي. والوجبات السريعة هذه هي التعويض عن الضعف التنظيمي والعمل الميداني بالبحث عن النجومية، واستبدال الخطاب السياسي بخطاب تسويقي؛ استبدال الكوادر والعمل الميداني بحملات انتخابية فيسبوكية.

إذًا الانتكاسة هي انتكاسة في الخطاب والمشروع وبمكانة الأحزاب، وتجاهل ذلك وحصره في عدد المقاعد، لا يدفع للتفاؤل بأن هناك نية جدية لاستخلاص النتائج والعبر وتحمل المسؤولية، ومحاولة التهرب منها بتشكيل لجان فحص تنتهي بتقارير توضع على الرف بانتظار انتخابات خامسة.

يبدأ إصلاح الخلل الخطير بالسؤال عن مدى صلاحية وواقعية قراءة تلك القيادات لما يحصل وحجم مسؤوليتها؛ إن قيادة لا تشخص بشكل صحيح سبب الإخفاق والتراجع والانتكاسة، فهي لا تصلح أن تكون في موقعها، وليس فقط في أن تقود التشخيص والعلاج. دون استفاقة حقيقية والإقرار بأن الانتكاسة لم تكن في الانتخابات الأخيرة وبعدد المقاعد، بل بانحدار الخطاب السياسي والوطني وانهيار الأحزاب وعزوف الكوادر، فإن ذلك يستدعي نزع الشرعية بشكل صريح وواضح عن كل من يقف عائقًا أمام التجديد والتطور، واعتباره غير مسؤول وطنيًا، وله مصلحة في استمرار انحدار الخطاب السياسي والوطني.

التعليقات