اشتهرت 'حلوى السمسم' أو 'السمسميّة' في بلاد الشام منذ القِدم كحلوى شعبيّة تقليديّة يتناولها الكبار قبل الصغار، ومع التطور الصناعيّ والتجاريّ الحاصل في البلاد وانفتاح المجتمع الفلسطينيّ على أصناف الحلوى العديدة والمختلفة اندثرت السمسميّة رويدًا رويدًا، لكنها صناعتها لا تزال مقتصرة على محلات الحلويات التقليديّة في الداخل الفلسطينيّ.
بالقربِ من دوّار الشهداء في مركز مدينة الناصرة ما زالت السمسميّة محطّ اهتمام الجيل الناشئ، حيث يعمل الشاب وليد أبو سني (39 عامًا) في معملهِ المتواضع لصناعة السمسميّة التقليديّة المتوارثة من جيلٍ إلى جيل منذ 100 عام تقريبًا، في مساحةٍ صغيرة تفوحُ برائحة السمسم والقطر التقليديّ.
حلوى الناصرة الشعبيّة
يبدأ وليد أبو سني عمله كل يوم الساعة الخامسة فجرًا بصناعة 'السمسميّة' و'الفستقيّة'، وهي مهنة توارثها عن أجداده في العائلة منذ قرن تقريبًا، وبدأ بها منذ 16 عامًا فقط بعد أن نقلها إليه ابن عمه قبل مماته، كي لا تموت الحِرفة.
عن سبب اختياره لهذه المهنة بالرغم من كونه شابًا يستطيع اختيار مهنة أخرى في ظل هجران الجيل النصراويّ للحرف التقليديّة، أجاب: 'اخترتها لأكمل مسيرة عائلتي، فحين وصلت العائلة إلى الناصرة بحثت عن مهنة لتعتاش منها ووجدت أنّها تتقن صناعة 'السمسميّة' فاتخذتها مصدرًا للرزق، وبدوري أريد أن أكمل هذه السلسلة'.
تاريخ حلوى السمسميّة في الناصرة حافل، حسبما قال أبو سني، وأكد أنه 'كانت مشتهرة جنبًا إلى جنب مع الهريسة بسبب سعرها الزهيد وسهولة الحصول عليها من قِبل العائلات الفلسطينيّة كافة بسبب الوضع الاقتصاديّ الصعب من جهة، ومن جهة أخرى كان السمسم يُحمّص في المنازل بسهولة ما جعله مصدر رزق بسبب نسبة البطالة العاليّة، عدا عن أنّ السمسميّة كانت من الحلوى المتوفرة بسبب شعبيتها، ولم يكن يهمّ العائلات سوى الحصول على حلوى بالرغم من وجود أصناف أخرى باهظة الثمن كالكنافة'.
حلوى ثانويّة؟
وأوضح أبو سني أنه 'بالرغم تواجد السمسميّة في كثير من محال الحلوى التقليديّة اليوم، لكن يتم اعتبارها حلوى ثانويّة ويفضلون الكنافة أو البورما أو أصناف أخرى عليها، عدا عن عدم وجود مصانع أو معامل متخصصة بصناعة السمسميّة والفستقيّة في بلادنا وبهذا فضّلتُ أن أتميز بهذه الصناعة المختصّة التي تتهاوى'.
وتابع أن 'المجتمع العربيّ ترك السمسميّة بالرغم من فوائد السمسم الغني بالكالسيوم والماغنيسيوم وهو مفيد للعظام ومشاكل المعدة، وكذلك زيت السمسم مفيد جدًا للجلد بسبب طريقة زراعته التي لا تعتمد على الدفيئات الزراعيّة بل على الزراعة الطبيعيّة'.
صناعة السمسميّة
يحافظ أبو سني على الطريقة التقليديّة اليدويّة القديمة بصناعة الحلويات بدون الاعتماد على الماكينات، ابتداءً بطريقة قياس طبخة القطر، إلى العجن والصبّ والرّق والتقطيع والتعبئة في الرزم حين الانتهاء، وكلّها يدويّة بدون الاستعانة بماكنات سوى الفرن لتسخين السمسم، عدا عن أنّ كافة المكونات هي طبيعيّة خالصة وليست مصنّعة.
يستطيع المشتري مشاهدة طريقة صناعة السمسميّة بسبب انكشاف المحل على الزائرين كافة، ووفقًا لأبي سني، الزبائن تحبّذ العمل اليدويّ القديم لأنّه أفضل من الاعتماد على الآلات، وعن هذا قال إنه 'حتى طريقة فحص القطر تجري من خلال الماء بدون ميزان تعتمد على قياس درجة حرارة الجو والماء، وهي طريقة تم استعمالها قديمًا'.
مراحل صناعة السمسميّة تبدأ بإنتاج القطر على النار، ومن ثم سكبه على السمسم وعجن الخليط يدويًا في 'لجن' ومن ثم صبّ الخليط على لوحٍ خشبيّ تم دهنه بزيت ذرة نباتيّ، ليتم رقّها لتصبح ذات مستوى وعلو واحد ومن ثم تقسيمها وتعبئتها في الرزم.
وبالرغم من اتباعه الطريقة التقليديّة إلّا أنّ أبو سني طوّر أنواعًا مختلفة من الحلويات مع الوقت، وأضاف للسمسم أصنافًا مبتكرة كبذور عين الشمس والقزحة وخلطات بذور الشوفان والكتان وجوز الهند والزبيب والشوكولاتة والفواكه المجففة، كنوعٍ من التجديد، لكنّه شدد على أنّ أساس جميع الحلوى هو السمسم لأنّ هذا تخصصه بالأساس.
اقرأ/ي أيضًا | القمبازي النصراوي الأخير: الجينز أطاح بمهنتي
التعليقات