في أفلام الأكشن والمُغامرات، يتعين على بطل الفيلم أن يؤدي مجموعة من المشاهد التي تحتوي على قفزات من أماكن مرتفعة أو قتال عنيف أو سباحة لمسافات بعيدة. وإذا ما أصيب البطل أثناء تأدية تلك المشاهد ستتوقف جميع عمليات التصوير ريثما يتماثل للشفاء.
في السابق، كانت هذه المشكلة تحل عبر ما يعرف سينمائي بالدوبلير، وهو الشخص الذي يؤدي تلك المشاهد حتى لا يتأذى البطل. فهل يمكن أن يكون الدوبلير اليوم روبوت؟ سنتعرف في هذا المقال على عالم الروبوتات في مجال الترفيه، وسنضرب أمثلة واقعية لروبوتات شاركت وتشارك في عروض الترفيه.
تطور الروبوتات في مجال الترفيه
عندما نتتبع مسار تطور الروبوتات في مجال الترفيه، نجد أن ديزني كانت السبّاقة في استخدامها، حيث صمم مهندسو ديزني آلاف الروبوتات التي تنوعت بين الدببة الراقصة والقراصنة المغنين. ومن بين الأمثلة نذكر روبوت ديناصور اسمه لاكي. وهو يمشي على رجليه الخلفيتين ويجر عربة كبيرة جداً من الزهور الحريرية.
تم تصميم لاكي في عام 2003 والعربة التي يجرها ما هي إلا عربة مليئة بالبطاريات. ففي ذلك الحين، لم تكن ديزني قادرة على إيجاد حلول أفضل لمشكلة البطارية التي تعيق استخدام الروبوتات المتحركة. وكانت هذه هي الطريقة الوحيدة التي تمكنوا بها من الحصول على عمر بطارية كاف لكي يقضي الروبوت قدر معقول من الوقت في التجول في الجزء الترفيهي.
بالعودة إلى الفكرة التي استعرضناها في المقدمة، هل أصبح وجود الروبوتات في الأفلام والسينما مقنعاً للدرجة التي يستطيع فيها الروبوت أن يحل محل الإنسان؟
ربما يكون الجواب الأفضل لهذا السؤال موجود لدى شركة ساركوس الرائدة في تطوير الروبوتات، ومنذ تأسيسها في 1983، تمكنت الشركة التي تتخذ من ولاية يوتا مقر لها، من تطوير نماذج روبوتية لا يمكن تمييزها عن البشر من النظرة الأولى، وعندما راجعنا تصميم أحد تلك الروبوتات، هالنا وجود 30 مفصل مرتب في الجذع يدعم خمس سلاسل متفرعة. وعلى عكس معظم الروبوتات الكهربائية أو الهيدروليكية، يستخدم هذا الروبوت محركات تعمل بالهواء المضغوط.
في الواقع، لا يتم تصنيع روبوتات ساركوس الترفيهية لتكون عالية الأداء فحسب، بل وأيضاً لتكون حساسة ورشيقة. ويبدو واضح منذ تأسيس الشركة تركيزها الدائم على جماليات الروبوتات الشبيهة بالبشر بالإضافة إلى الهندسة. ويتم دعم تطوير المفاهيم والنماذج من خلال منشأة نحت كاملة، حيث يتم إنتاج جلود عالية الأداء. ويمكن تشغيلها عن بعد بواسطة مشغل يرتدي بدلة SenSuit أو من خلال تشغيل برنامج مبرمج مسبقًا يتم التحكم فيه بواسطة الكمبيوتر.
أنواع الروبوتات في مجال الترفيه
وصلنا إذاً للقناعة الكافية بأن الروبوتات أصبحت اليوم عنصر أساسي متزايد النمو في صناعة الترفيه من خلال تحسين المشاهد في الأفلام والتلفزيون. ولكن مجالات استخدام الروبوتات في الترفيه لا تقف هنا، بل تصل إلى الألعاب التي نراها في المتنزهات الترفيهية، ناهيك عن الإضاءة والكاميرات والصوت والتجهيزات بشكلٍ عام. وربما كان المجال الذي استخدمت فيه الروبوتات بأفضل صورة في هذا الصدد هو التجارب التفاعلية في الأحداث الحية. فقد قامت الحفلات الحية بإعداد تجهيزات معقدة باستخدام الروبوتات لالتقاط زوايا مخصصة ولإجراء مزامنة متقدمة.
إلى ذلك، بدأ التصوير باستخدام الطائرات بدون طيار يدخل المجال مع عروض الطائرات بدون طيار الشهيرة التي تُقام في دبي وفي المناسبات الخاصة في جميع أنحاء العالم. أضف إليها ألعاب الملاهي الآلية والروبوتات الخدمية في المطاعم والمعارض.
الروبوتات في العروض الحية
تُستخدم الروبوتات لتعزيز التفاعل في العروض الحية بعدة طرق. حيث من الممكن استخدامها لتكملة الأداء البشري. وقد تم استخدام الروبوتات في عروض Cirque du Soleil لأداء حركات بهلوانية لا يستطيع البشر أدائها. كما تم استخدامها في الحفلات الموسيقية لإنشاء عروض بصرية جذابة. وفي مثال على ذلك، استعرضت شركات مثل بوسطن ديناميكس خفة حركة ودقة روبوتاتها، حيث قدمت عروض مُبهرة لروبوتات تنضم إلى الموسيقيين البشر على خشبة المسرح!
المنتزهات الترفيهية والألعاب الروبوتية
في المنتزهات الترفيهية يتم استخدام الحيوانات والشخصيات المتحركة منذ عقود، لكن استخدام الروبوتات أصبح ظاهر بشكل أكبر. ففي مدينة ديزني الجديدة ذات الطابع المستوحى من حرب النجوم، يمكن للزوار التفاعل مع روبوت R2-D2 الواقعي، ومجموعة من جنود العاصفة يسيرون عبر المتنزه في تشكيلات. جدير بالذكر أن شركة ديزني تستخدم أيضاً روبوت من إنتاج شركة Florida Robotics يُدعى "X1846" في عالم والت ديزني في أورلاندو بولاية فلوريدا. ومهمة X1846 هي تقديم المشروبات هناك.
في مدن الترفيه الأخرى حول العالم، نجد KUKA Roboter مثلاً وهو أول أفعوانية روبوت حاصل على شهادة عالمية للتعامل مع البشر.
الروبوتات تروي القصص
لقد تحول (الحكواتي) إلى روبوت! نعم، فنحن اليوم أمام روبوتات مجهزة بالذكاء الاصطناعي قادرة على تكييف السرد بشكل آني بناءً على ردود أفعال الجمهور، لتخلق بذلك تجربة تفاعلية حقيقية. هذه الروبوتات قادرة على تقديم نتاج مسرحي متكامل، أو الاكتفاء بجلسة سرد قصص لطيفة للأطفال.
دي جي روبوتي
لا يخلو عالم الموسيقى من الإبداع، ويبدو أن عالم الروبوتات أصبح قادر على إنتاج الابداع. فالدي الجي الروبوتي اليوم يضيف لمسة مستقبلية إلى فن خلط الإيقاعات. مجدداً تستطيع الروبوتات تحليل ردود أفعال الجمهور، وتستفيد من ذلك في ضبط الإيقاع والأسلوب، ويفتح التعاون بين الإبداع البشري والدقة الروبوتية الأبواب أمام إمكانيات جديدة في عالم الموسيقى الإلكترونية.
إنتاج الأفلام بمساعدة الروبوتات
تتبنى صناعة الأفلام التكنولوجيا الروبوتية مؤخراً بهدف تبسيط عمليات الإنتاج وتعزيز السرد المرئي. وتوفر الطائرات بدون طيار المزودة بكاميرات لقطات جوية قد لا توفرها أفضل فرق التصوير، في حين تقدم الأذرع الروبوتية دقة لا يمكن مضاهاتها في المؤثرات الخاصة. ولا يتعلق اندماج الروبوتات في صناعة الأفلام بالكفاءة فحسب، بل يتعلق أيضاً بدفع حدود السرد المرئي، وخلق تجارب سينمائية كانت تعتبر مستحيلة في السابق. ولك أن تتخيل أن شخصية غولوم في فيلم "سيد الخواتم" تم انشاؤها باستخدام تقنية التقاط الحركة. كما تم تصميم الروبوتات في فيلم "المتحولون" باستخدام CGI.
الألعاب التفاعلية الروبوتية
ماريو اليوم يختلف عن ماريو التسعينيات، ربما نشاهد ماريو يخرج من الشاشة لينضم إلينا على شكل روبوت عمّا قريب. هذا هو تماماً ما تفعله الروبوتات بالألعاب، ولك أن تتخيل جلسة لعب حيث تصبح الروبوتات المادية جزء لا يتجزأ من طريقة اللعب. من معارك الروبوتات في الحياة الواقعية إلى تجارب الألعاب التعاونية. هل ستكون متحمسًا لتجربتها؟
التركيبات الفنية الروبوتية
وهنا نحن نتحدث عن الروبوتات في مجال الترفيه والفن معاً. ولطالما كان الفن انعكاس للإبداع البشري، لكن الروبوتات باتت تتحدى الحدود التقليدية للتعبير الفني. فالأذرع الروبوتية أصبحت قادرة على الرسم والنحت وإنشاء تركيبات فنية تدفع بنا لإيجاد تعريفات جديدة للفن. ولا تعرض هذه التركيبات قدرات الروبوتات فحسب، بل تثير أيضاً محادثات حول تقاطع التكنولوجيا والإبداع.
الحقيقة أنه ومن خلال دراسة تطور الروبوتات في مجال الترفيه، نجد أن ظهورها بشكل متكرر في أفلام الخيال العلمي لم يكن وليد الصدفة، حيث رمز ظهورها في كل مرة إلى اندماج التكنولوجيا والإنسانية، وهو ما يثير الفضول لطرح الأسئلة الأخلاقية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي والروبوتات، فكيف يضمحل الخط الفاصل بين مجالات عمل الإنسان ومجالات عمل الروبوتات شيئًا فشيئاً؟
التعليقات