في ما بدا كإعلان عن عودته إلى الحلبة السياسية والبدء بمعركة إعادة احتلاله لمنصب رئيس الحكومة مجددا، شن رئيس الحكومة الأسبق، إيهود باراك، في مداخلة قدمها في مؤتمر هرتسليا، هجوما غير مسبوق على بنيامين نتنياهو واتهمه بانه على استعداد لتعريض إسرائيل للخطر مقابل الحفاظ على كرسيه.
وقال باراك إن ائتلافه الحكومي يخطو باتجاه خلق واقع أبرتهايد، فيما أداؤه السياسي أقرب إلى "نظرية الملك" (في إشارة إلى الفكر الديني الاستيطاني العنصري) من موروث أنبياء إسرائيل.
باراك، الذي يتهيأ منذ أشهر للعودة إلى الحلبة ويرى أن هناك فرصة سانحة في ظل غياب منافسين جديين لنتنياهو، دعا في خطابه إلى توحيد منظمات وأحزاب مركز- يسار بهدف إسقاط حكم نتنياهو، وتحدث عما وصفها علامات لبداية صحوة مدنية وبراعم تجديد تتماشى مع التطورات السياسية التي تشهدها المنطقة وما يمكن وصفه ب"ربيع إسرائيلي" ، مقابل فساد في الجهاز السياسي في إسرائيل وسيطرة المتطرفين على حزب السلطة.
ورأى باراك أن تظافر أطراف سياسية مختلفة من المركز واليمين واليسار وإقامة ما أسماه بـ"معسكر المسؤولية الوطنية"، من شأنه أن يخلق كتلة كبيرة وجارفة بروح من التجديد والنضال والعمل، على حد تعبيره، وليس مقلدين شاحبين وفارغين لنتنياهو ولا تشاؤمية باكية وخاسرة، فقط تشابك أيدي غالبية أجسام المجتمع المدني، كما يقول، إلى جانب أطراف سياسية مسؤولة يخلق أرضية لتشكل قيادة أخرى.
وكان مقربون من باراك، بينهم مساعدون سابقون وحفيدته، قد أقاموا مؤخرا شركة تحت اسم "مسؤولية وطنية- إسرائيل بيتي"، تهدف إلى تشكيل بنية تنظيمية تساعده في إدارة المعركة الانتخابية في حال قرر خوضها.
وقام بتسجيل الشركة المحامي أوشي المليح، الذي شغل منصب مستشار باراك السياسي، عندما كان الأخير وزيرا للأمن وانتقل لإدارة حزب "عتسمؤوت"، الذي أقامه باراك لاحقا وظل مقربا إليه حتى النهاية، ويضم سبعة من المقربين لباراك.
ويقول المقربون من باراك إنه لا ينوي التنافس أمام أي مرشح آخر لقيادة معسكر المركز- يسار الذي سينافس نتنياهو، بل سيستجيب فقط لرئاسة هذا المعسكر في حال طلب منه ذلك وهو يؤمن أنه الوحيد القادر على الإطاحة بنتنياهو.
وبينما يحاول باراك تسويق نفسه كبديل لنتنياهو، يذكر العديد من السياسيين والمعلقين الإسرائيليين بتاريخ الرجل "الأسود" ودوره في تحطيم اتفاق أوسلو وإفشاله لقمة كامب ديفيد واختراعه لمقولة "لا يوجد شريك فلسطيني" التي ما زال اليمين يلوح بها حتى اليوم، كما يقول الصحفي حاييم برعام، الذي يذكر له فك الشراكة بين العرب في إسرائيل وبين حزب العمل بعد قتل 13 مواطنا عربيا في خلال هبة الأقصى، وصولا إلى شق حزب العمل وبقي مع كتلة من خمسة أعضاء كنيست في حكومة نتنياهو.
ويعدد الوزير السابق، حاييم رامون، في مقال نشرته صحيفة "هآرتس"، مساوئ باراك، منذ أن عارض اتفاق أوسلو عندما كان قائدا للأركان، وبعد ذلك، وحاول تقويضه وكيف جر في عام 2000 الفلسطينيين والأمريكيين بواسطة الوهم الذي سوقه حول الوصول إلى حل نهائي إلى كامب ديفيد، وهو يدرك أن سياسة الكل أو لا شيء، ليس أنها ستفضي إلى لا شيء، بل إلى كارثة سياسية وأمنية، وكيف أنه بعد فشل كامب ديفيد رفض العودة إلى مسار أوسلو وعندما سئل وهو في طريق عودته من كامب ديفيد عن مصير النبضة الثالثة، أجاب لقد ماتت موتا طبيعيا وفي الواقع كان هو من قتلها وقتل اتفاق أوسلو بالضربة القاضية.
ويواصل رامون وصولا إلى تصريح باراك الشهير، الذي أدلى به عندما حط في مطار اللد بأن المؤتمر فشل بسبب "عدم وجود شريك"، وهو التعبير الذي تحول من يومها إلى التعبير الرائج على لسان نتنياهو وإلى لغم قاتل في طريق معسكر المركز- يسار، كما يقول رامون، بعدها انفجرت الانتفاضة التي حصدت ألف قتيل إسرائيلي وآلاف الفلسطينيين، وانفجرت أحداث أكتوبر التي أودت بحياة 13 من الشبان العرب في إسرائيل وأحدثت شرخا عميقا بين اليهود والعرب.
وبمنهجية المحترف، يرسم رامون خط سير باراك السياسي وتوجهه نحو اليمين لينتهي إلى انتخابات عام 2009، وكيف أنه وبعد فشله المدوي في الانتخابات امام نتنياهو، فضل التحالف مع نتنياهو عوضا عن إقامة حكومة مركز مع كاديما بقيادة تسيبي لفني، وشكل خلال تلك الفترة مظلة واقية لنتنياهو وحكومته اليمينية وشريكا له في المغامرة التي لم تخرج إلى النور ضد إيران بفضل وعي ومسؤولية رؤساء الأجهزة الأمنية، وكيف أنه لم يتورع لأجل مصلحته في تفكيك حزب العمل وتشكيل كتلة شكلية من أجل البقاء في منصب وزير الأمن في حكومة نتنياهو.
أما حاييم برعام فيختم بالقول، إنه من السذاجة مجرد التفكير أن يكون من حلم مع نتنياهو بالقيام بمغامرة عسكرية ضد إيران بديلا له، فنتنياهو وباراك توأمان فكريان وسياسيان ولكن باراك أكثر خطورة لأنه أكثر جرأة.
اقرأ/ي أيضًا | البرلمان الألماني يعرقل صفقة سلاح إسرائيلية
التعليقات