يافا... أحد أقدم وأهم مدن فلسطين التاريخية، احتلت في النكبة عام 1948، تعرف البلدة باسم “عروس فلسطين”، وتقع يافا على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، ويوجد بالمدينة تل يافا، ويرتفع بنحو 40 مترا (130 قدما) عن ساحل البحر، ما يسمح برؤية واسعة للساحل، ولذلك كان للمدينة أهمية استراتيجية في التاريخ العسكري.
وتعدّدت مصادر تسمية المدينة بهذا الاسم، فوفقا للأساطير تعود تسميتها إلى “يافث” أحد أبناء النبي نوح، كما ذكرت اسم البلدة في أحد البرديات المصرية القديمة باللغة الهيروغليفية خلال عهد الملك تحتمس الثالث، وكان يطلق عليها 'يابو'، وفي اليونانية القديمة أطلق عليها 'يوبا'، ويقال أيضا إن الاسم مشتق من الكنعانية القديمة 'يافا'، أي مدينة الجمال والروعة.
وتمتد حضارة يافا إلى أكثر من خمسة آلاف سنة، حيث تمّ اكتشاف العديد من الحفريات التي تعود للعصور القديمة، مثل العصر البرونزي مرورا بالفتح العربي الإسلامي للمدينة، ودللت الحفريات المكتشفة أن يافا من أقدم المدن التي أقامها الكنعانيون في فلسطين، حيث كان لها أهمية بارزة كميناء هام على البحر المتوسط.
وخلال الفترة من 332 إلى 1000 قبل الميلاد، كانت فلسطين ذات مطمع للغزاة على مرّ التاريخ، وبالتالي حاول الكنعانيون الحفاظ على مملكتهم وكيانهم السياسي ضد أطماع الغزاة، وخاصة في دول الجوار وتحديداً الفراعنة، ومملكة الآشوريين، بالإضافة إلى الغزو اليهودي المتواصل للعيش في فلسطين، ورغم أن القدماء المصريين كان لهم عاصمة إدارية في غزة، إلا أن نفوذهم كان ضئيلاً في يافا.
ومع نهاية الحكم الفارسي لفلسطين عام 331 قبل الميلاد، وبداية الحضارة الهلنستية التي تعد مزيجا بين الحضارات الشرقية واليونانية، تشير الوثائق والمخطوطات التاريخية إلى أن يافا حظيت بمكانة هائلة في العصر الهلنستي. ولكن مع العصر الروماني الذي استمر حتى عام 324، تعرّضت يافا للعديد من المشاكل والأزمات السياسية والاجتماعية، حيث تعرّضت البلدة للحرق والتدمير بسبب كثرة الحروب التي خاضتها الإمبراطورية الرومانية. ومع بداية العهد البيزنطي أصبحت يافا ضمن حدود الدولة البيزنطية في القرن الرابع الميلادي، حيث انتشرت المسيحية وأصبح الدين الرسمي للدولة.
وفي عام 636 أصبحت يافا تحت الحكم الإسلامي، في عام 1100 تعرّضت يافا للاحتلال الفرنجي 'الصليبي، وفق المصادر الغربية'، واستطاع صلاح الدين الأيوبي تخليص المدينة من الفرنجة عام 1187. لكن بعدها بأربع سنوات فقط سقطت المدينة تحت قبضة الملك ريتشارد قلب الأسد عام 1191. ومع الحروب المتوالية بين الجيش الأيوبي والفرنجة تم توقيع معاهدة يافا في عام 1192، وضمان هدنة لمدة ثلاث سنوات بين الجيشين.
ومع هزيمة المماليك للأيوبيين وقدرتهم على ردع قوات الفرنجة وطردهم من فلسطين، يعتبر العهد المملوكي في فلسطين أحد أزهى فتراتها التاريخية، حيث تعاقب على الحكم فيها عدد من السلاطين، مثل: الظاهر بيبرس والمنصور قلاوون، وشهدت فلسطين وخاصة يافا نهضة عمرانية وحركة ثقافية مزدهرة، تمثلت فيما شهدته من مشاريع ومؤسسات اجتماعية متنوعة، هدفها توفير متطلبات الحياة اليومية وتحسين أوضاع الناس وأحوالهم المعيشية، كما شيدت الخانات والمدارس والجسور والحمامات والأسواق والخوانق والتكايا والمنشآت المائية، وغيرها من الآثار التي لا تزال شاهدة في حقبة المماليك في مختلف أنحاء فلسطين.
وخلال الفترة العثمانية وتحديدا في عام 1515، احتلت يافا من قِبَل السلطان العثماني سليم الأول. وفي 1799 حاصر القائد الفرنسي نابليون بونابرت يافا، وقام بقتل العشرات من السكان المحليين كرد فعل على قتل مبعوثيه عند تسليم إنذار استسلام البلدة، وعندما دخل المدينة قام بقتل آلاف من الجنود المحليين بعد أن استسلموا للقوات الفرنسية، وقام نابليون أيضا بإعدام حاكم مدينة يافا، ولكن استطاعت القوات العثمانية لاحقا بالتعاون مع السكان المحليين والمتمردين من هزيمة القوات الفرنسية، وإعادة ترميم يافا وبناء المدارس والمساجد الأثرية والحمامات التركية، كما يوجد بالمدينة برج ساعة يافا الذي شيدت في عهد السلطان في الذكرى الخامسة والعشرين لاعتلاء السلطان عبد الحميد الثاني العرش العثماني، ويعد البرج من أهم الآثار المعمارية العثمانية في المدينة.
وأثناء حملتهم عبر فلسطين وسيناء ضد العثمانيين، احتل البريطانيون فلسطين في نوفمبر 1917 وحتى عام 1920، قبل أن تقرر الأمم المتحدة إدراج فلسطين تحت الانتداب البريطاني، وهو الأمر الذي أتاح للعصابات الصهيونية الإرهابية فرصة السيطرة على المدن والقرى العربية الفلسطينية، تدريجيا.
وفي تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1947 أوصت اللجنة الخاصة بالأمم المتحدة بتقسيم فلسطين، وإدراج يافا ضمن حدود الدولة 'اليهودية'، ومع زيادة التوتر اندلعت حرب 1948 من قبل الجيوش العربية لمنع تقسيم فلسطين والحفاظ عليها كدولة عربية موحدة. ولكن مع هزيمة الجيوش العربية قام الاحتلال الإسرائيلي بضم يافا إلى سلطته عام 1950، وتم إدراج تل أبيب إليها وأصبحت تسمى 'من قبل الاحتلال' بلدية 'تل أبيب- يافا'، وقامت الدولة العبرية بتهويد المنطقة من خلال محو الهوية العربية وهدم التراث الإسلامي، كما قامت بتغيير أسماء الشوارع إلى أسماء عبرية، بما في ذلك أسماء قيادات الحركة الصهيونية.
اقرأ/ي أيضًا | عين العذراء... نبع الماء المقدس
وفي عام 1990 بذلت جهود لاستعادة المعالم العربية والإسلامية، مثل: مسجد البحر ومسجد حسن بك، بجانب توثيق تاريخ السكان العرب في يافا، وقد تمّ تجديد أجزاء من البلدة القديمة، وتحوّلت يافا إلى منطقة جذب سياحي من خلال المباني العثمانية القديمة المستعادة. ومنذ القرن التاسع عشر الميلادي وتشتهر يافا بصناعة الصابون والمعادن، وزيت الزيتون، والجلود، والقلويات، والنبيذ، ومستحضرات التجميل والحبر.
التعليقات