اتخذ العالم أشكالا عدة على خرائط الجغرافيين والمستكشفين وصلا إلى صورته الحالية، ففي كل حضارة ومع كل اكتشاف جديد كانت تتطور طريقة رسم الخرائط وتزداد دقة بإضافة رموز وحدود جديدة لها، حتى أنه في البداية لم يكن للأميركيتين وجود على سطح خريطة العالم المرسومة، حيث كان العالم يتكون من ثلاث قارات فقط “آسيا وأفريقيا وأوروبا”، حتى صارت واقعا وانضمت بعد ذلك الأميركيتان إلى كتلة العالم واكتملت خريطة العالم الحالية.
كانت بدايات الرسومات للخرائط من قبل البابليين، فقد عثر على لوح من الطين بمقياس 7.6 × 6.8 سم، في العراق رسمت عليه خريطة لوادي نهر بين تلتين ويقدر بأنها تعود للقرن الـ25 قبل الميلاد، واكتشفت أخرى في تقر 'السومرية' تعود للقرن الـ13 قبل الميلاد، وكانت تصف جدران ومباني المدينة المقدسة، وتعتبر خريطة العالم البابلية أقدم خريطة تمثيل وصفي في العالم حيث تعود إلى 600 قبل الميلاد.
الخريطة اليونانية
ومن أوائل اليونانيين الذين رسموا الخرائط بالاستعانة بالرياضيات، إضافة إلى الملاحظات المدونة من المستكشفين آنذاك، هم أناكسيماندر، وبطليموس، وإراتوستينس، ، ويعتقد أن “أناكسيماندر” كان أقدم يوناني رسم خريطة للعالم قبل 546 ق.م، وكان مؤمنا بأن شكل الكون يشبه الأسطوانة المعلقة في الفضاء، وأن العالم يكون أعلى هذه الأسطوانة.
وأول من أضاف تعليمات الإبحار على الخرائط التي رسمها، كمان البحار “سيلاكس”، لتصبح معلما أساسيا فيما بعد لراسمي الخرائط، أما الفضل الأكبر فيعود لكلوديوس بطليموس، الملقب بـ“أبو الجغرافيا”، الذي اقترح أن الأرض يمكن تخيل شكلها الحقيقي إذا ما استعملت الحسابات الرياضية وعلم الفلك وتوصل إلى الفرضية الكروية للأرض، وعمل نظام إحداثيا، حيث تمكن منذ آلاف السنين من تطوير واحدة من أوائل خرائط العالم، واضعا أوروبا في منتصف الكرة الأرضية، بعد التعرف على المحيط الهادئ ومساحته، دون أن يذكر وجود الأميركيتين قبل اكتشافهما.
واليوناني المصري إراتوستينس، كان أول من توصل إلى رسم وحساب تقريبي لمحيط الكرة الأرضية في تجاربه التي أجراها بالإسكندرية وتوصل إلى قيمة تقريبية بين 40000 إلى 46000 كم.
وبعد أن ترجم حنين بن إسحاق كتاب “المَجَسْطي”، كتاب في الفلك والرياضيات وألفه العالم الإغريقي بطليموس عام 148م في الإسكندرية ويعتقد أنه أقدم كتاب معروف في الفلك، والذي أشار خلاله إلى أن النظام الفلكي قائم على أساس أن الأرض ثابتة، وأن الأفلاك تدور حولها، ووصف فيه خريطة العالم دون أن يرسمها، ليصممها الباحثون من بعده لتوضيح رؤيته للعالم، كما أنه أول من أشار لوجود خطوط الطول والعرض.
خريطة الإدريسي.. مؤسس علم الجغرافيا
وفي عام 1154 رسم العالم العربي ومؤسس علم الجغرافيا، محمد الإدريسي، خريطته الشهيرة، والتي تعد واحدة من الخرائط القديمة الأكثر تقدما، حيث لجأ إلى تحديد اتجاهات الأنهار والبحيرات والمرتفعات، وضمنها أيضا معلومات عن المدن الرئيسية، بالإضافة إلى حدود الدول، وظلت خريطة العالم المعتمدة والأكثر دقة لعدة قرون، ويلاحظ أن الخريطة مقلوبة لأنه قديما كان يعتقد أن الجنوب يوجد في الأعلى، واستخدمت مصوراته وخرائطه في سائر كشوف عصر النهضة الأوروبية.
واعتمادا على جغرافيا الإدريسي رسم البحار التركي الأمير بيري ريس، الخريطة الأولى في التاريخ التي تظهر سواحل القارة الأميركية بتفاصيل تضاريسية دقيقة.
خريطة فالدسميلر، والظهور الأول لأميركا
عام 1507 ظهرت الأمريكتان لأول مرة على خرائط العالم، عن طريق خريطة رسمها عالم الخرائط الألماني مارتن فالدسميلر، والذي استخدم لأول مرة اسم أميركا المقتبسة من اسم “أميركو فسبوشي”، وهو بحار و مستكشف إيطالي عمل تحت حكم مملكة البرتغال و مملكة قشتالة، وقام بعدة رحلات إلى 'العالم الجديد'، وهو أول أوروبي فكر بأن سواحل أميركا الجنوبية ما هي الا قارة جديدة بينما كان الكل في ذلك الوقت بما فيهم كريستوفر كولومبوس يظنون أنها امتداد لقارة آسيا، لينعت به اسم الأراضي المكتشفة للعالم الجديد، ويذكر أن الخريطة ظلت مفقودة واكتشفت فقط في عام 1901 من قبل كاهن، واشترتها مكتبة الكونجرس في الولايات المتحدة مقابل 10 ملايين دولار.
خريطة كافيريو
كانت هذه الخريطة أول خريطة واضحة ودقيقة تضم اسم أميركا، ورسم الجزر الصغيرة التي لم تكن واضحة في البداية، كما ظهرت بها منطقة البحر الكاريبي وساحل فلوريدا، وكذلك أفريقيا وأوروبا وآسيا، كذلك رسم كريستوفر كولومبوس جزر الهند الغربية، ووصلت الخريطة إلى جودة عالية من التفاصيل والدقة.
وفي القرن السابع عشر بدأ تطبيق نظريات جديدة لتحديد أبعاد الأرض، واختراع أدوات جغرافية وفلكية متطورة مثل بندول الساعة، والتلسكوب، فضلا عن أدوات النظريات مثل جداول اللوغاريتمات، والتفاضل والتكامل، وقانون الجاذبية، هذا بجانب الأخذ بعين الاعتبار ملاحظات العلماء، ما زاد من تقدم رسم الخرائط عن سطح الكرة الأرضية.
خريطة ماكندر.. ميلاد الجغرافيا السياسية
عام 1904 كان الميلاد الحقيقي لعلم الجغرافيا السياسية، على يد الجغرافي الإنجليزي والمتخصص في الجغرافيا السياسية السير هالفورد ماكندر، حيث قام بتأليف الكتاب الشهير “المحيط الجغرافي للتاريخ”، وهو أحد أشهر كتب الجيوبوليتيك في العالم، وهو واضع نظرية قلب اليابس.
اقرأ/ي أيضًا | أسماء رجبوفا... سفيرة الغناء الغجري إلى العالم
جوجل إيرث
ومع التقدم التكنولوجي الكبير وثورة الاتصالات والإنترنت التي شهدها العصر الحديث، ظهرت “جوجل إيرث” كطفرة في رسم الخرائط والجغرافيا، حيث تعتبر مصدر أدق الخرائط في العالم الآن، وهو برنامج خرائطي وجغرافي معلوماتي أنشأته شركة “كي هول”، وكان يطلق عليه في الأصل “EarthViewer 3D”، ويرسم البرنامج خريطة للأرض عن طريق تركيب الصور التي تم الحصول عليها من صور الأقمار الصناعية، والتصوير الجوي ونظم المعلومات الجغرافية الثلاثية الأبعاد الخاصة بالكرة الأرضية.
التعليقات