لست من المناصرين لقطر ولا من الشامتين فيها، ولا أنا مع "شخصنة" القضايا السياسية الكبرى وخلافاتها، ولكن ما وقع مؤخرا، الإجراءات التي اتخذتها السعودية والإمارات والبحرين ومصر ضد قطر، يشير الى أمرين، الأول، هو استقواء السعودية بمجيء ترامب ومحاولتها الاستحواذ على قيادة ما يسمى بـ"المحور السني" دون منازع، والمقصود بالمنازع هنا هي تركيا وليست قطر، وذلك في أعقاب التفويض الذي حظيت به ومنحته لنفسها في مهرجانات استقبال ترامب، التي "صفصفت" خلالها بشكل غير مسبوق غالبية زعماء الخليجية والعربية والإسلامية لتقديم الولاء لها ولترامب. والثاني تحديد (حرف) وجهة الصراع في المنطقة، كصراع سني - شيعي وليس صراع عربي إسلامي - إسرائيلي، وبالتالي تحويل إسرائيل من عدو للعرب والمسلمين إلى حليف لهم في الحرب ضد إيران التي اعطى ترامب الضوء الأخضر لإطلاقها.
إذا، هي مرحلة جديدة عنوانها إيران، مرحلة تحكمها قواعد لعبة وتحالفات جديدة، سينتقل فيها "الصراع مع إيران" من خلاف وتناحر على مناطق نفوذ في سورية والعراق واليمن إلى قلب الخليج العربي/ الفارسي، أي إلى داخل البيت أو هو على البيت إن صح التعبير، وتفجيرات طهران الأخيرة أول غيثها.
ويبدو ان إسرائيل، بعكس الحرب على العراق، سيكون لها دور أساسي في المحور الذي رسمه خط طيران ترامب المباشر بين الرياض وتل أبيب. من هنا يمكن النظر إلى الخلاف السعودي - القطري بكونه ليس مجرد خلاف بين شركاء على تقاسم الأدوار والنفوذ في سورية وليبيا واليمن، بل هو خلاف حول الوجهة الأساسية لما تعتبره السعودية مرحلة ثانية ومتقدمة للصراع الذي بدأ هناك، بينما تعتبره قطر ومن ورائها تركيا، تحول بـ180 درجة ومغامرة غير محسوبة النتائج، سوف تخل بمعادلات جوهرية بالمنطقة، على رأسها وضعية إسرائيل ودورها الإقليمي.
وإذا كان البعض، رغم الانتقاد، لم يعر الكثير من الاهتمام للصمت السعودي على تصريح ترامب، الذي أدرج فيه حماس وحزب الله ضمن التنظيمات الإرهابية التي يجب محاربتها، فإن تكرار ذلك أمس، على لسان وزير الخارجية السعودي الجبير، في سياق تسويغ الإجراءات التي تم اتخاذها ضد قطر، التي تدعم حركات "إرهابية"، على حد تعبيره، بينها حماس وحزب الله، هو مؤشر خطير ينبئ بتوجه سعودي جديد/ قديم، يصطف إلى جانب إسرائيل ويضع جميع حركات المقاومة بغض النظر عن أصولها المذهبية في خانة الإرهاب.
وإن كنا نفهم ولا نتفهم موقف السعودية من حزب الله الواقع في "المحور الشيعي"، وفق تقسيمات المرحلة الطائفية والمدرج في المملكة على لائحة الإرهاب لحسابات سعودية تخص الساحتين اللبنانية والسورية ودور الحزب فيهما، فإن اعتبار حماس الواقعة في "المحور السني"، والعاملة في الأراضي الفلسطينية المحتلة من قبل إسرائيل، حركة إرهابية هو أمر غير مفهوم ومستغرب للوهلة الأولى، خاصة على ضوء مفاوضات تطبيع العلاقات الجارية بينها وبين النظام المصري، الذي كان يتهمها بدعم العمليات الإرهابية في سيناء.
إن وصم حركات مقاومة فلسطينية وعربية، بغض النظر عن تحالفاتها ودورها الإقليمي وموافقتنا أو اختلافنا مع هذا الدور، هو أمر مرفوض وخطير لأنه يقدم خدمة مجانية لإسرائيل، التي تسعى جاهدة لإسباغ صفة الإرهاب على الكفاح الوطني الفلسطيني والعربي وإسقاط شرعيته السياسية والأخلاقية، ليتسنى لها ذبح المقاومات وجماهيرها وتثبيت ركائز مشروعها الكولونيالي وامتداداته، والتطبيع مع دول المنطقة دون الانسحاب من الأراضي المحتلة عام 67، والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة بالعودة وتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة.
اقرأ/ي أيضًا | الجبير: وقف دعم حماس والأخوان المسلمين شرط لحل الأزمة
وغني عن البيان إسباغ صفة الإرهاب على حماس، التي تشكل اليوم رأس حربة لما تبقى من حركة المقاومة الفلسطينية، ليس نابعا كما قد يخيل للبعض من تبعيتها لحركة الإخوان المسلمين، "غير المرغوبة سعوديا"، ولا لارتباطها بقطر التي تحتضن هذه الحركة، لأن تلك التبعية وذاك الارتباط ليسا جديدان، وتعايشت معهما السعودية على مدى السنوات السابقة، بل هو مرتبط مباشرة بالحلف الأميركي السعودي، الذي يخطط لإسرائيل أن تكون جزء فاعلا فيه، بعد إزالة جميع العقبات التي تعترض طريق دخولها وفي مقدمتها حماس وحزب الله وغيرها من حركات المقاومة.
التعليقات