على بوابة مصفاة البترول الواقعة في مدينة حيفا، انتظر يومياً مئات العمّال الفلسطينيين من قرية بلد الشيخ بهدف العمل، فكان يخرج الموظّف يومياً ليختار العشرات منهم بينما يعود الباقون أدراجهم نحو بلد الشيخ.
'عرب 48'، التقى يوسف امطانس، من قرية كفر برعم المهجّرة ويقيم منذ العام 1948 في مدينة حيفا، وعمل في مصفاة البترول منذ العام 1944 حتى 1993 ويعد شاهداً على ما حصل في مصفاة البترول في العام 1947، وتحديداً بتاريخ 31/12/1947.
كعادتهم، تجمّع، في هذا اليوم، قرابة الـ200 عامل فلسطيني من قرية الشيخ على بوابة مصفاة البترول المعروفة اليوم باسم 'ريفينري'، والتي كانت في حينها منطقة مستقلة تحت السيطرة الانجليزية، إلّا أن العمّال المتجمّعين حينها لم يعلموا أن منظّمة 'إيتسل'، الصهيونية الإرهابية كانت تراقب البوابة، وتجمّعات العمّال العرب عليها.
عمل حينها في المصفاة 2400 عامل عربي، مقابل 450 عاملا يهوديا، وهذا ما أكده امطانس حيث عمل في سجل العمّال وكان المسؤول عن تسجيلهم.
مرّت سيّارة بجانب العمّال العرب المنتظرين خروج الموظّف، وألقي منها قنبلتان يدويتان باتجاه العمّال، فقتل 15 عاملاً منهم، وأصيب العشرات بإصابات متفاوتة، بعضها خطيرة جدا، بحسب شهادة امطانس الذي كان شاهداً على الحادث من شبّاك مكتبه. وفيما يشير إلى فظاعة الجريمة، قال امطانس إن أشلاء العمّال تطايرت في المكان.
خرج العمّال العرب العاملون بشكل دائم داخل المصفاة، فثارت ثائرتهم على منظر زملائهم وحجم المجزرة، وبحسب ما وصفه امطانس، فإن شاباً عربياً وقف منفعلاً إثر ما رآه، اعتلى مجموعة من البراميل ووقف عليها وقال بأعلى صوته 'الله وأكبر، إذبحوا اليهود'.
وهاجم العمال العرب في ثورة غضبهم العمّال اليهود في المصفاة، وقتلوا 40 عاملاً يهودياً بالمواسير والبلطات وأدوات العدة الموجودة في المصفاة خلال ساعة واحدة من الزمن. وعن ذلك قال إمطانس مستذكرا إنه 'خلال ساعة من الزمن قتل العمّال العرب 40 يهودياً، وجرحوا كافة الموجودين من اليهود تقريباً.
ويضيف امطانس عن اليوم نفسه: 'إن ما رأيته حينها كان يوحي بأن المصفاة لن تفتح بعد اليوم، فثأر العمّال العرب لزملائهم كان كبيراً على الرغم من أن أحداً لم يعرف هوية السيارة التي مرّت وألقت القنبلتين، إلّا أن الحالة المتوتّرة في حيفا بين العرب واليهود إثر صدور قرار تقسيم فلسطين كانت تؤكد أن أحداً لم يفعلها سوى إحدى المنظّمات الصهيونية، وفعلاً قرأنا في اليوم التالي، في الصحف أن منظمة إيتسل تبنّت العملية وأنها فخورة بقتلها 15 عاملاً عربياً على بوابة مصفاة البترول'.
في مساء اليوم ذاته، وفي أعقاب ثأر العرب لزملائهم، اتخذت المنظمات الصهيونية، التي كانت تنظر الذريعة، قرارا باجتياح قرية بلد الشيخ. وفعلا قامت قوّات الهاغاناة ومنظّمات صهيونية أخرى، وبمشاركة طلّاب من معهد التخنيون، بالهجوم على قرية بلد الشيخ بذريعة الانتقام لليهود الذين قتلوا في مصفاة البترول كون عمّال المصفاة بأغلبيتهم من بلد الشيخ، فغارت المنظّمات الإرهابية الصهيونية على البلدة بالرشاشات ليلة رأس السنة الميلادية، فاستشهد قرابة الـ600 فلسطيني، وهجّر باقي أهالي القرية، واستولت قوّات الهاغاناة على بلد الشيخ، وأقامت البلدة اليهودية 'نيشر'.
التعليقات