تقرير: ماذا تغير في القدس في عامٍ من العدوان على غزة؟

"أحياء مهددة بالتهجير القسري بالكامل مثل حيي البستان وبطن الهوى في سلوان، وكذلك ما يجري في وادي الربابة بسلوان "

تقرير: ماذا تغير في القدس في عامٍ من العدوان على غزة؟

(منصات التواصل)

يستفرد الاحتلال بمدينة القدس بعد أن أحكم حصارها وأغلق حواجزه العسكرية المحيطة بها وفتح المجال لمستوطنيه لانتهاك حرمة مقدساتها، بالتوازي مع تسارع مشاريعه التهويدية والاستيطانية وهدم منازل الفلسطينيين وغيرها من الاعتداءات غير المسبوقة منذ احتلاله المدينة عام 1967.

تغطية متواصلة على قناة موقع "عرب 48" في "تليغرام"

تقرير لوكالة "وفا" نشر مؤخرًا، يشير إلى أنه "ومع امتداد رقعة العدوان من غزة إلى لبنان، تزداد عزلة المدينة المقدسة يومًا بعد يومًا، حيث تنشغل العديد من وسائل الإعلام العالمية والعربية بتغطية الحرب".

مخططات الاحتلال لتهويد مدينة القدس، وربط أحيائها الشرقية بالغربية، تنفذ بوتائر متسارعة، يقول التقرير، "وتستهدفت المخططات حي الشيخ جراح والبلدة القديمة وبلدة سلوان، في محاولات محمومة من الاحتلال "لمنع إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية"، وفقًا لقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة".

محافظ القدس عدنان غيث، الذي يفرض عليه الاحتلال "الحبس المنزلي" منذ أكثر من عامين، يقول في التقرير، إن "خططًا متسارعة يقوم بها الاحتلال من أجل تهويد القدس في ظل حرب الإبادة الجماعية التي يتعرض لها شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة".

ويوضح: "لم تكف حكومات الاحتلال المتعاقبة منذ احتلال المدينة عام 1967 عن الاستيلاء على أحيائها وتهويدها لتحويلها إلى "عاصمة موحّدة"، واستفادوا من إنشغال العالم بما يجري من عدوان وإبادة في قطاع غزة، في العمل على ترجمة سياسات فرض الأمر الواقع وإبادة المدينة بشكل ناعم، سواء بتصاعد مجازر الهدم بحق المقدسيين أو وضع العراقيل أمام المصلين والقاصدين للعبادة في القدس، وعمليات الاعتقال المتواصلة، ومحاولات تغيير الوضع التاريخي القائم بالمسجد الأقصى من خلال الاقتحامات والاستباحة الكبيرة وغير المسبوقة للمسجد".

كما وأوضح أن الاحتلال "يسعى حاليًا بعد تكريس التقسيم الزماني إلى احتلال جزء من المسجد الأقصى والصلاة فيه، وصولاً إلى إعلان جماعات استيطانية عن مساعيهم لهدم المسجد الأقصى".

يذكر أن ما نشطاء من جماعة "أمناء الهيكل" الاستيطانية، نشروا، مؤخرًا، تسجيلاً مصورًا يظهر احتراق المسجد الأقصى المبارك ومسجد قبة الصخرة بتعليق "قريبًا في هذه الأيام".

إلى ذلك، يشير محافظ القدس إلى أن "أحياء مهددة بالتهجير القسري بالكامل مثل حيي البستان وبطن الهوى في سلوان، وكذلك ما يجري في وادي الربابة بسلوان من إقامة جسر خشبي ومشروع "وادي السليكون" ومشروع تسوية الأراضي الهادف إلى الاستيلاء على ما تبقى من الأراضي في القدس، وسرقة وسلب ممتلكات المقدسيين غير الموجودين في المدينة".

كما ويلفت إلى أن الاحتلال "يجاهر في سياسته لتهويد القدس ويتركز ذلك في عمليات إرهاب المواطنين من قبل سلطات الاحتلال بالاعتقال والضرب والإبعاد وفرض الضرائب وغيرها من إجراءات التهجير، واستطاع الاحتلال منذ السابع من أكتوبر، تمرير مجموعة من الممارسات الهادفة لتهويد المدينة وعلى رأسها ما يحدث في المسجد الأقصى".

الضم والتوسّع الاستيطاني

بدوره، المختص في شؤون القدس، راسم عبيدات، يقول في حديث لـ"وفا"، إن الحرب على القدس "تكثفت بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر بشكل غير مسبوق وأصبح الاحتلال يسعى إلى محو المشهد العربي الفلسطيني، الإسلامي والمسيحي في المدينة، إلى مشهد تلمودي توراتي يهودي".

ويوضح بأن الاحتلال "يعمل لأجل تحويلها إلى "مدينة يهودية" بامتياز، ويقوم بتوسيع مساحتها لتصل إلى 70 كيلو مترًا مربعًا، بدءًا من شمال الخليل في مستوطنة "غوش عتصيون" حتى بادية القدس في قرية الخان الأحمر، ويضم بداخلها مئات آلاف المستوطنين من أجل التأثير على ديمغرافيا المدينة".

ويشير عبيدات إلى أن الاحتلال أيضًا "لم يترك للمقدسيين سوى 14% من مساحة الأراضي داخل القدس المحتلة عام 1967 للبناء، وقام بتحويل 6% منها لمحميات طبيعية، وبالتالي لم يبقَ مكان للمقدسيين للبناء، وقد يموت المقدسي قبل أن يحصل على رخصة لبناء منزل، في ظل تصاعد عمليات هدم المنازل التي طالت قرابة 400 منزل منذ بدء العدوان، هو رقم غير مسبوق مقارنة بعمليات الهدم التي كانت تجري في السنوات السابقة والتي لم تكن تتجاوز المئة منزل".

كما بين عبيدات أن ذلك يتزامن مع مشاريع استيطانية ضخمة في القدس وتحديدًا في وادي الجوز وتهويد المنازل في سلوان والبلدة القديمة لإنهاء الوجود العربي هناك، وإحاطة البلدة القديمة بالمشاريع الاستيطانية من القطار الهوائي والدرج الكهربائي وجسر المشاة وغيرها من مشاريع التهويد".

واقع ديني جديد في الأقصى

يحاول الاحتلال خلق واقع ديني جديد في المسجد الأقصى المبارك، يتمثل في احتلال المنطقة الشرقية بالكامل من المسجد من أجل السماح لليهود بالصلاة فيها، كما يفعلون خلال اقتحاماتهم اليومية، حيث سجلت "صلوات تلمودية" و"سجود ملحمي" و"نفخ في البوق" و"ترانيم دينية" في إشارة لتهويد الجزء الشرقي من المسجد.

محافظة القدس تفيد بأن نحو 49 ألف مستوطن اقتحموا المسجد الأقصى منذ بدء العدوان على غزة، بينهم وزراء ونواب في الكنيست وحاخامات يهود.

مدير دائرة القدس في منظمة التحرير الفلسطينية، عدنان الحسيني، يفيد، في تقرير "وفا" المشار اليه أعلاه، بأن "تغيير الوضع القائم بشكل نهائي في المسجد الأقصى يجري حاليًا، ويتم إعادة صياغة كل مرافق الأقصى بطريقة توراتية تخدم رواية الاحتلال تحت أعذار وأفكار مختلفة مثل المصعد الكهربائي بالقدس وغيرها من المشاريع التهويدية التي تقودها حكومة الاحتلال الحالية بالتزامن مع العدوان على غزة"، لافتًا إلى "الطقوس الدينية التي أصبحت علنية في المنطقة الشرقية من المسجد، وتحديدًا في محيط باب الرحمة".

ملاحقة الكنائس لإضعافها

وإلى جانب استهدافه للمسجد الأقصى المبارك والمقدسات الإسلامية كافة في القدس، يستهدف الاحتلال الكنائس المسيحية، يتابع التقرير، عبر سياسات وإجراءات ممنهجة لفرض الضرائب عليها وعلى أملاكها ومؤسساتها بهدف الضغط على الوجود المسيحي الأصيل وتهجيره قسريا، وبسط سيطرة الاحتلال الكاملة على تلك الكنائس وأملاكها.

كما يحرم الاحتلال المواطنين الفلسطينيين، المسلمين والمسيحيين على حد سواء، من الوصول إلى القدس للصلاة في الأماكن المقدسة، في انتهاك صارخ لحرية العبادة.
حرب على الوجود الفلسطيني

ومنذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 وحتى نهاية شهر أيلول/سبتمبر الماضي، نفذت سلطات الاحتلال الإسرائيلي 339 عملية هدم، بينها أكثر من 87 في بلدة سلوان جنوب المسجد الأقصى، ترتب عليها تشريد آلاف المواطنين، وفقا لإحصائية صادرة عن محافظة القدس.

مستشار محافظ القدس، معروف الرفاعي، أوضح لـ "وفا" أن هناك أكثر من 30 ألف عقار في القدس، مهدد بالهدم، الأمر الذي سيؤدي إلى تشريد وإلحاق خسائر اقتصادية بحياة نحو 100 ألف مقدسي.

الباحث المختص في شؤون القدس، فخري أبو دياب، يفسر ذلك بالقول: "الآن هناك حرب يشنها الاحتلال على مباني ومساكن الفلسطينيين في القدس لتصفية الوجود العربي الفلسطيني في المدينة، مستغلا الأوضاع في غزة وسائر محافظات الضفة ولبنان، وانشغال العالم بما يجري هناك، لإنهاء معركة القدس في هذه الفترة الذهبية بالنسبة له".

وأضاف أن الهدف هو تقليل عدد الفلسطينيين في مدينة القدس عبر جعلها مدينة طاردة لهم، من خلال الاستيلاء على منازلهم وتهويدها وإحلال المستعمرين مكانهم، وهدم المنازل بشكل متسارع، ومنع البناء للفلسطينيين في ظل تسارع بناء الوحدات الاستعمارية في شرق القدس المحتلة، وإصدار آلاف أوامر الهدم لإفقاد المقدسيين الأمان الاجتماعي والسكني وحتى الأمان الديني المتمثل بصعوبة الوصول لأماكن العبادة.

وأشار إلى الاحتلال "يسخّر كل إمكانيات دولته لحسم موضوع القدس وتهويد المدينة بالكامل مع ضم أعداد قليلة من المقدسيين".

الهجمة غير مسبوقة

الهجمة الحاصلة حاليًا على منازل المقدسيين لم تشهدها القدس منذ احتلالها عام1967، وكذلك الهجمات المتواصلة على المواطنين وقتل الاقتصاد المقدسي لتغيير الصورة بشكل كامل في المدينة، في ظل تراخي العالم وعدم إرغام الاحتلال على وقف عدوانه ما أعطاه الضوء الأخضر لاستباحة القدس.

وأخطر ما يجري، يقول أبو دياب، هو "تحويل ملكية المنازل الفلسطينية لملكية المستوطنين في محاكم احتلالية تعمل لصالح المستوطنين، حيث سيستولي الاحتلال على كثير من المنازل في المرحلة المقبلة، ويعمل حاليًا على الاستيلاء على 16 منزلاً في سلوان والشيخ جراح وطرد سكانها قسرًا، ضمن مخطط أوسع لتهجير الفلسطينيين من المدينة.

الاعتقالات والإبعادات والحبس المنزلي

سجلت في القدس مئات حالات الاعتقال منذ العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، إلى جانب فرض سياسة "الحبس المنزلي" بحق عشرات المقدسيين، وعمليات الإبعاد عن مدينة القدس والمسجد الأقصى.

وأضحى الحبس المنزلي سيفًا مسلطًا، يوضّح التقرير، على رقاب المقدسيين، والذي يتمثل بفرض أحكام من قبل محكمة الاحتلال تقضي بمكوث الشخص فترات محددة داخل المنزل بشكل قسري، ما جعل من بيوت المقدسيين سجونًا لهم.

وتشير المعطيات الصادرة عن مؤسسات الأسرى إلى اعتقال 2600 مقدسي منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر وحتى نهاية أيلول/سبتمبر الماضي، وأصدر الاحتلال 352 حكمًا بالسجن الفعلي، و11 قرارًا بالمنع من السفر.

وبحسب لجنة أهالي الأسرى في القدس، سجّلت 407 عملية إبعاد عن البلدة القديمة والمسجد الأقصى وعن مدينة القدس ككل خلال الفترة ذاتها.

إلى ذلك، يحتجز الاحتلال 43 جثمانًا من جثامين الشهداء المقدسيين في ثلاجاته ومقابر الأرقام، آخرهم جثمان الشهيد الطفل شادي شيحة (16 عامًا) الذي ارتقى في 13 آب/أغسطس الماضي في بلدة عناتا شرق المدينة.

71 شهيدًا و242 جريحًا برصاص الاحتلال

منذ بدء العدوان وحتى نهاية أيلول/سبتمبر 2024، وثّقت محافظة القدس 71 شهيدًا من القدس وإصابة 242 آخرين برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي، واعتقال 2600 مقدسي في نفس الفترة، وإصدار 352 حكمًا بالسجن الفعلي، و 407 قرارات بالإبعاد عن مدينة القدس والمسجد الأقصى، و11 قرارًا بالمنع من السفر.

التعليقات