"تستمدّ قصيدة مواسي قوّتها ليس من قدرتها التعبيريّة الفائقة فقط، إنّما أيضًا من استعاراتها الشفيفة الموحية، حتّى وهي تنقل تجربة تبدو خصوصيّة للغاية، ما يؤهّلها لأن تفتح ذهن القارئ على أفق أوسع وأكمل. وانضفر هذا كلّه في أمسية إطلاق الديوان ضمن ’سجّادة‘ فنّيّة كانت الكلمات وموسيقاها سيّدة فيها بلا منازع، لكنّها ازدادت بهاء وحضورًا وهي تتحرّك وسط فنون أخرى تمدّ لها جسور التواصل الحميم مع المتلقّين."
أطلق الشاعر علي مواسي، الأربعاء الماضي، مجموعته الشعريّة 'لولا أنّ التفّاحة'، الصادرة حديثًا عن الدار الأهليّة للنشر والتوزيع، في أمسية فنّيّة أنتجها واستضافها 'مسرح خشبة' بمدينة حيفا.
أشرف على إعداد الأمسية وإخراجها فنّيًّا كلّ من خلود طنّوس وبشّار مرقص، فجمعت بين قراءة الشعر والفنون الأدائيّة والبصريّة، بمشاركة عدد من الشعراء والفنّانين والفنّيّين: أسماء عزايزة (قراءة)، عامر حليحل (أداء في فيديو)، علا عودة (أداء)، فرات باكير (تصوير)، فراس روبي (مونتاج)، فراس طرابشة (إضاءة وصوت)، مراد حسن (أداء).
وقد قُدّمت في الأمسية 6 قصائد من مختلف أبواب المجموعة، تمثّل تجربة مواسي الشعريّة فيها، وتتناول قضايا ذاتيّة وجماعيّة، عناوينها: 'إليزابيث باثوري'، 'كربلاء'، 'إلى نبيّ لم يأت بعد'، 'شارع الرينبو'، 'بي'، 'حيفا'.
إلى عائلة الخطيب
أهدى مواسي، في كلمة له، أمسية إطلاق المجموعة إلى عائلة الخطيب، وهي العائلة التي كانت تسكن البيت الذي اتّخذه طاقم 'مسرح خشبة' مقرًّا له، بعد قرابة 70 عامًا من تهجير العائلة في النكبة، ليبثّ فيه الحياة من جديد، وليؤكّد، عبر الفنّ والجمال الناقد والمسائل، فلسطينيّة حيفا وعروبتها، في ظلّ مخطّطات مستمرّة لتغيير هويّتها وطبيعتها على يد المؤسّسة الإسرائيليّة، كما قال.
كما شكر مواسي كلّ من ساهم في قراءة مخطوط الديوان وتقديم ملاحظات واقتراحات حولها، إلى أن اكتمل، على رأسهم الأديب حنّا أبو حنّا الذي كتب تظهيره؛ بالإضافة إلى النقّاد بروفسور محمود غنايم، د. إسماعيل ناشف، د. خالد الجبر، د. امتنان الصمادي؛ والكتّاب والشعراء علاء حليحل، خالد جمعة، علي أبو عجميّة، محمّد عريقات.
إتقان لموسيقى المعنى
وفي مداخلة ختاميّة، قال حنّا أبو حنّا إنّ هذه الأمسية تحيله إلى ما كانت تفعله العرب قديمًا، عندما كان ينبغ في قبيلة أو مملكة ما شاعر، حيث كان يُحْتَفى بالشعر وبصحابه، ونحن اليوم نحتفي بنبوغ شاعر.
وأشار أبو حنّا إلى أنّ كتابة قصيدة النثر تحتاج إلى إتقان ومعرفة لموسيقى المعنى التي تحلّ محلّ موسيقى المبنى من عروض وتفعيلات ودون ذلك، بالإضافة إلى ثقافة لغويّة وبصريّة وحياتيّة كبيرة، وهو ما يميّز شعر مواسي.
إعادة الألق لقصيدة النثر
يقول الناقد أنطوان شلحت حول المجموعة والأمسية: 'علي مواسي صوت شعريّ متميّز منذ انطلاقته، وتعيد تجربته، كما تتبدّى في ديوانه الأوّل، الألق إلى قصيدة النثر في مشهدنا الأدبيّ. كما تبرهن هذه التجربة على أنّ تلك القصيدة لم تقل كلمتها الأخيرة بعد، وخصوصًا إذا ما توفّر لها شاعر على غراره.'
ويضيف: 'تستمدّ قصيدة مواسي قوّتها ليس من قدرتها التعبيريّة الفائقة فقط، إنّما أيضًا من استعاراتها الشفيفة الموحية، حتّى وهي تنقل تجربة تبدو خصوصيّة للغاية، ما يؤهّلها لأن تفتح ذهن القارئ على أفق أوسع وأكمل. وانضفر هذا كلّه في أمسية إطلاق الديوان ضمن ’سجّادة‘ فنّيّة كانت الكلمات وموسيقاها سيّدة فيها بلا منازع، لكنّها ازدادت بهاء وحضورًا وهي تتحرّك وسط فنون أخرى تمدّ لها جسور التواصل الحميم مع المتلقّين.'
تشغيل لجميع الحواسّ
وفي حديث مع المخرج بشّار مرقص، أحد أعضاء طاقم 'مسرح خشبة'، قال: ' نسعى في مسرح خشبة إلى خلق حوار بين الأنواع والوسائط الفنّيّة المختلفة، وهذه الأمسية نموذج لذلك، حيث الانسجام بين الشعر والمسرح، لا سيّما أنّ كليهما يقوم على أساس صوريّ، ولطالما كان الواحد منهما ابنًا للآخر. بحثنا في هذه التجربة معنى الشعر والمسرح، وكيفيّة خلق اللحظة وتشغيل جميع الحواسّ، بالإضافة إلى مقدار وحجم النصوص الشعريّة والوسائط المتنوّعة التي قدّمتها.'
وأضاف مرقص: 'لقد كانت تجربة جميلة وممتعة لي، منحتني مساحة مميّزة للعمل على أمر مكثّف ولطيف، تحديدًا نصّ ’كربلاء‘ الذي أدّاه الفنّان مراد حسن، وقد ساعد على ذلك ما في النصوص من شعريّة وصور وخصائص مسرحيّة غنيّة، وهذا ما يمنحها قوّتها، وهو ليس مفهومًا ضمنًا.'
المجموعة
تقع مجموعة 'لولا أنّ التفّاحة' في 232 صفحة، وتضمّ 36 قصيدة موزّعة على 6 أبواب، عنونها الشاعر بالتالي؛ للسّؤال باب، للقلب باب، لَهُنَّ باب، لي باب، للدّار باب، للوجع باب. وقد صمّم غلافها الفنّان والشاعر زهير أبو شايب، أمّا صورة الغلاف فهي للمصوّر الألمانيّ أدامتشيك لوتَر.
يُذكر أنّ سلسلة أمسيات ستُنظّم في عدد من المدن والبلدات الفلسطينيّة، وسيُعلن عن مواعيدها قريبًا.