اكتُشف داخل كهف في أستراليا عودان خشبيان مغطيان بالدهون، يمثّلان آثارًا لطقوس تعود إلى 12 ألف عام، تناقلها أكثر من 500 جيل من السكان الأصليين، على ما أكدت دراسة علمية نشرت في مجلة "نيتشر هيومن بيهييفير".
تغطية متواصلة على قناة موقع "عرب 48" في "تليغرام"
ومن النادر جدًا أن تتمكن أدلة أثرية تعود إلى آلاف عدة من السنين من تتبع رمزية تصرّفات أفراد مجتمعات لم تكن تمارس الكتابة بعد، بحسب ما أوضح معدّو الدراسة التي نُشرت أمس، الإثنين.
وسُجّل هذا الاكتشاف داخل كهف يقع عند سفح جبال الألب الأسترالية، جنوبي شرق البلاد، في منطقة يقطنها سكان أصليون هم مجموعة غونايكورناي.
وقد أجريت أعمال تنقيب في الكهف خلال سبعينات القرن العشرين، وأدت إلى اكتشاف بقايا حيوانات كنغر عملاقة يُحتمل أنّ يكون أوّل من سكن الكهف قد استهلكها.
لكنّ أفراد غوناكورناي "لم يشاركوا في عمليات التنقيب" في هذا الموقع الذي ينتمي إلى "أجدادهم"، ، وفق عالم الآثار برونو ديفيد من قسم الدراسات المتعلّقة بالسكان الأصليين في جامعة موناش الأسترالية، والمعدّ الرئيسي للدراسة.
وفي العام 2020، أجريت مجددًا عمليات تنقيب في كهف كلوغز الصغير لكن هذه المرة بقيادة مجموعة من السكان الأصليين مثّلتها جمعية "غلاواك" GLaWAC.
ورغبة منهم في الوصول إلى طبقات قديمة لم تُمَس، حفر علماء الآثار حفريات صغيرة في الجدار فظهرت عصا خشبية ثم ثانية، وبدت محفوظتين بشكل جيد جدًا.
وتعود الأولى إلى 11 ألف سنة فيما الثانية إلى 12 ألف سنة، خلال نهاية العصر الجليدي الأخير، بحسب التأريخ بالكربون المشع.
والعودان بالكاد محترقين، وكان كل منهما في رماد موقد بحجم كف اليد، لا يمكن استخدامه لتسخين اللحوم أو طهيها. وتم صقل أطراف العودين ليتم وضعهما عموديًا في النار وتغطيتهما بالدهون الحيوانية أو البشرية.
وقال رئيس جمعية "غلاواك"، راسل موليت، وهو أحد معدّي الدراسة، إنها "لحظات مجمدة في الزمن، ومثيرة للفضول لدرجة أننا تساءلنا عما كان يحدث في الكهف".
وقد قادته سنوات عدة من البحث إلى روايات إثنوغرافية لألفريد هويت، عالم أنثروبولوجيا أسترالي في القرن التاسع عشر ومتخصص في ثقافات السكان الأصليين.
وبقيت بعض ملاحظات هويت التي لم تُنشر مطلقًا، محفوظة في متحف تعيّن على راسل موليت التفاوض معه بشكل حثيث لاستعادتها.
ويصف ألفريد هويت الطقوس التي كان يمارسها "مولا مولونغ"، وهم معالجون ومعالجات يعتبرون أقوياء في مجموعة غونايكورناي.
وخلال الاحتفالات، كان مولا مولونغ يستخدمون أعواد خشب مماثلة لتلك التي عُثر عليها في كهف كلوغز ومصنوعة من الخشب نفسه (كازوارينا)، ومغطاة أيضا بالدهون البشرية أو دهون حيوانات الكنغر.
وكانت هذه الأعواد تُستخدم للحفاظ على النار خلال الطقوس.
وأوضحت جامعة موناش في بيان أنّ "مولا مولونغ كانوا يرددون اسم الشخص المريض، وعندما يُستهلك عود الخشب كان يسقط وتنتهي التعويذة".
واستمرت ممارسة هذه الطقوس في القرن التاسع عشر، في أماكن نائية، بحسب روايات ألفريد هويت. وتم تناقل هذه التصرفات لـ12 ألف عام عبر أكثر من 500 جيل، ضمن واحدة من أقدم الثقافات الحية في العالم.
وقال جان جاك ديلانوي من مختبر "إديتيم" Edytem (بيئات وديناميكيات ومناطق جبلية) في سافوا، والذي شارك في الدراسة "لا نُدرك اليوم أي تصرفات احتُفظ برمزيتها لفترة طويلة كهذه".
وأضاف "لقد احتفظت أستراليا بذاكرة الشعوب الأولى بفضل تقليد شفهي قوي. في مجتمعاتنا، حدث تغيير في الذاكرة مع الانتقال إلى الكتابة وفقدنا معنى التصرفات".
على غرار رسومات في كهف شوفيه في أرديش (جنوب شرق فرنسا)، حيث عمل البروفيسور ديلانوي، والتي ربما "لن نعرف معناها مطلقًا". ويقول العالم "لا يمكننا سوى وضع فرضيات".
التعليقات