تقع عين العذراء في ساحة العين، وسط مركز مدينة الناصرة، على الطريق الرئيسي، وكانت البئر (العين) تستخدم في العصور القديمة كمياه للشرب، والبئر تحصل على المياه من خلال أنابيب موصولة بالينابيع الطبيعية، وكانت البئر في العصور القديمة القناة الجامعه لمياه الينابيع الطبيعية.
وفي العصر الروماني المتأخر، وخاصة في الفترة الصليبية، قطعت سلسلة من الأنفاق في الصخر، وجرت المياه إلى المنازل في المناطق المجاورة، وكان هذا النظام حيلة جيدة لاستخدام المياه على مر العصور، بينما في الفترة العثمانية أُعيد بناء العين جيدا لقدسيتها.
وفي عام 1767، بنيت كنيسة القديس جبرائيل، وفي الطابق الأرضي كانت تتدفق المياه بشكل جيد، كما تم تشييد موقع آخر لكنيسة البشارة الكاثوليكية، وفي العصر الحديث تم هدم الهيكل الموجود على بئر مريم وإعادة بنائها في عام 1960.
ونسبت بئر مريم أو عين العذراء إلى مريم العذراء، لأنها كانت تستقي الماء للناس ليشربوا منها، وعند البئر أيضا جاءها الملاك جبرائيل، وفي عهد الصليبيين عندما تمّ تشييد الكنيسة الأرثوذكسية فوق عين العذراء منع جنود السكان من السقاية، حرصا على توفير الهدوء للمصلين وعدم دخول الكنيسة حفاظا على قدسيتها.
وتتميّز البئر بوجود عدة ينابيع للمياه، مثل: النبع الغزير، والذي لا يزال يضخ الكثير من المياه، وهناك نبع ثان ويوصف بأنه شحيح في المياه، بينما النبع الثالث قد ضحلت مياهه، بالإضافة إلى وجود العديد من القنوات والمسارات المنحوتة في الحجر، والتي تتدفق منها المياه في فصل الشتاء.
ويشتهر المكان بأنه المنطقة التي ظهر فيها الملاك جبرائيل لمريم، وأخبرها أنها ستحمل ابن الله، وهناك نص في التوراة يحكي قصة البشارة يقول، 'بينما مريم العذراء منشغلة في عبادتها وصلاتها، أرسل الرب الملاك جبرائيل على هيئة بشر إلى مريم، وقال لها: السلام عليك، الرب معك، أنت مباركة من السماء، والرب فضّلك على نساء العالمين، فلما رأته اضطربت مريم من كلامه، فقال لها: لا تخافي يا مريم: سوف تلدين ابنا اسمه يسوع، والرب سيعطي له عرش داوود أبيه، فقالت مريم للملاك: كيف يكون هذا وأنا لست أعرف رجلا ولم يمسسني بشر؟، فأجاب الملاك وقال لها: سينفخ فيك الله الروح القدس'.
وبالمثل، فإن القرآن الكريم يسجل أيضا قصة مريم العذراء من الملاك جبرائيل في آيات 'فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا، قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا، قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا، قَالَتْ أَنَّي يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا، قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا'.
وكانت بئر أو عين العذراء من أهم الينابيع الجوفية في مدينة الناصرة التي خدمت السكان المحليين والقرى المجاورة لعدة قرون، وربما آلاف السنين، ومع ذلك لم يكن يشار إليها دائما بأنها في الكتاب المقدس ببئر مريم أو عين مريم كما أطلق عليها السكان المحليون.
وفي عام 1853، عندما زار القنصل البريطاني في القدس جيمس فين، مدينة الناصرة، ونزل مع حاشيته بالقرب من عين العذراء، وكانت المياه في هذا التوقيت شحيحة جدا، ما أدى إلى شعور الناس بالقلق خوفا من ندب المياه، حيث كانت النساء تنتظر بالجرار كل ليلة، من أجل ملء الخزانات وتوفير السقاية للأسر والحيوانات، ولكن تم تدشين خط مياه بجوار بئر مريم، يغذي السكان في فصل الصيف لحين جريان ينابيع المياه الطبيعية من عين مريم.
وكان الفلسطينيون من سكان الناصرة يتجمعون عند عين العذراء حتى عام 1966، لملء أباريق الماء والاسترخاء وتبادل الأخبار، رغم أن مدينة الناصرة التي تقع فيها العين خضعت إلى الاحتلال الإسرائيلي بعد النكبة عام 1948، ولكن بعد حرب الأيام الستة عام 1967، منعت إسرائيل السكان المحليين من الوصول إلى المكان نهائيا، وقامت بضم مدينة الناصرة والقرى التابعة لها إلى اللواء الإسرائيلي، ولا تزال المدينة حتى الآن تعد مركزا إداريا وثقافيا لعرب الداخل الفلسطيني.
ويقول الخبير الأثري، د. وائل الحداد، إن بئر مريم علامة على الإعجاز الإلهي في الأرض، لا سيما وأنه المكان الذي قابل فيه الملاك جبرائيل مريم العذراء.
اقرأ/ي أيضًا | 'شكيم'... تروي حضارات توالت على فلسطين
ويوضح أن البئر كبيرة الحجم مستطيلة الشكل، ويصل طولها إلى 27 مترا، وعرضها 4 أمتار، وترتفع عن الأرض بحوالي 9 أمتار، كما تتسع البئر لنحو 900 متر مكعب من الماء، ويقال إن أول من بنى البئر هو إسحاق بن يعقوب، وكانت مريم تسقي للناس منه حتى جاءها أمر الله بولادة السيد المسيح.
التعليقات