أعلى تلة خضراء، على الطرف الشرقي لمدينة نابلس شمالي الضفة الغربية، تتربع مدينة 'شكيم' الكنعانية، إحدى أقدم المواقع الأثرية في العالم، لتروي أبنيتها الحجرية العتيقة وأسوارها العملاقة، حكايات عصور وحضارات تاريخية توالت على المنطقة، منذ أكثر من 3500 عام قبل الميلاد، بحسب ما يرجح مؤرخون فلسطينيون مشرفون على الموقع.
واكتشف الرحالة الألماني هيرمان تيرش، موقع شكيم أو ما يعرف حاليا باسم 'تل بلاطة' عام 1908، في حين تمت أول حفريات أثرية في المكان، بين عامي 1913-1934، على يد بعثة ألمانية حينها، وما بين عامي 1956-1969 كانت الحفريات تجري في المكان على يد بعثة أميركية، بحسب رئيسة قسم الاستقبال في الموقع الكنعاني، ريهام عيسى.
وتقول عيسى، 'في عام 2010، قامت وزارة السياحة الفلسطينية بالتعاون مع جامعة لايدن الهولندية، بتأهيل الموقع، وتحديد مسار آمن للسائح وإنشاء مركز للاستقبال ومتحف يضم بعض القطع الأثرية التي عثر عليها بالمكان، إضافة لقاعة عرض فلم وثائقي قصير يتحدث عن تاريخه، وبذلك أصبح مزارا للسياح من مختلف دول العالم، إضافة للسياحة الداخلية'.
وحول تاريخ الموقع، يقول مدير مواقع محافظات الشمال في وزارة السياحة والآثار الفلسطينية، ضرغام الفارس، أن مدينة شكيم تقدم نموذجا للمدن في العصر البرونزي المتوسط، حيث ذكرت في المصادر المصرية القديمة، وتحدث عنها العديد من المؤرخين القدماء.
وأشار الفارس، أن تل بلاطة أو مدينة شكيم، من المواقع الأثرية المدرجة في القائمة التمهيدية للتراث العالمي بحكم أهميتها التاريخية والأثرية.
وفي المكان المليء بعبق التاريخ، وخلال التجوال في المدينة الكنعانية، يشير الفارس بيديه لسور المدينة المحصن، الذي يضم بوابة حجرية لا تزال أساساتها ظاهرة للعيان، وخلف السور تظهر معالم 'المعبد المحصن'، الذي كانت تعبد فيه الآلهة الكنعانية، ويضم أعمدة من الطراز الفرعوني، إبان عصر المملكة الفرعونية.
وعلى مقربة من المعبد الكنعاني وسط شكيم، تستند صخرة طولية كبيرة إلى صخرتين صغيرتين أسفلها، فيما يعرف باسم 'ستيلة' أو 'نصب حجري'، كان الكنعانيون يقدمون القرابين للآلهة أسفله، كما يقول المسؤول في وزارة السياحة، ضرغام الفارس.
وإلى جوار النصب وضعت لافتة تشير إلى 'الساحات المقدسة' التابعة للمبعد، وقد تم تحديدها بسور كبير يعود لفترة العصر البرونزي المتوسط.
وعثر في موقع شكيم، بحسب الفارس، على مجمع من البيوت السكنية، تعود للعصر الحديدي '1200-600 قبل الميلاد'، حيث وجد فيها أوان فخارية وأختام وقطع نقدية.
ذلك التاريخ الكنعاني بزخمه وحقائقه العلمية الموثقة، أضحى هدفا للمستوطنين اليهود، الذين يقتحمون المدن الفلسطينية تحت حراسة جيش الاحتلال الإسرائيلي بشكل شبه يومي.
ويتخوف الفلسطينيون من السيطرة الإسرائيلية على تلك الآثار، أو جعلها مزارا للمستوطنين، لا سيما بعد أن اقتحم المئات من جنود الاحتلال الإسرائيليين تل بلاطة، برفقة حاخام يهودي كبير قبل أيام.
وذكر شهود عيان، أن نحو 500 جندي إسرائيلي اقتحموا وكان برفقتهم حاخام يهودي، وأدوا في المكان طقوسا دينية.
وأشار مسؤول المواقع الأثرية في شمال الضفة الغربية، إلى أن الإسرائيليين 'يزعمون أن النبي يوشع، نقش على نصب حجري في مدينة شكيم الوصايا العشر لبني إسرائيل، وهم بذلك يحاولون إيجاد مبرر لوجودهم بالمنطقة، ولاستيلائهم على المواقع الأثرية والتاريخية'.
وأضاف الفارس، خلال جولته في المدينة الكنعانية، 'الجيش الإسرائيلي والمستوطنون اليهود، يقتحمون العديد من المواقع الأثرية في الضفة الغربية، ويؤدون صلواتهم فيها، وهذه ليست سياسة جديدة على الاحتلال، إنما هي عملية توظيف للرواية التوراتية لإقامة دولة الاحتلال منذ عام 1948، وتستخدمها حاليا في تكريس وتشريع دولتهم من خلال السيطرة على بعض المواقع التاريخية'.
وتابع، 'رغم أن المزاعم اليهودية من ناحية أثرية وتاريخية ثبت بطلانها، لكنهم لا يستطيعون الاعتراف بهذه الحقيقة، لأنهم بذلك سيفقدون مبرر وجودهم على هذه الأرض واحتلالها'.
وجدير بالذكر، أن الكنعانيين أسسوا مستعمرات لهم امتدت من غرب البحر المتوسط إلى حدود السواحل الأطلسية، ما بين القرنين السابع ق. م والرابع ق. م.
اقرأ/ي أيضًا | حطين... لا يغيبُ اسمها عن أهلها
وينتمي الكنعانيون إلى عائلة الشعوب السامية، التي تضم إلى جانب العرب، كل من العبرانيين والآشوريين والآراميين (السريان) والكلدان، وأطلق على الكنعانيين الذين سكنوا المناطق الداخلية من بر الشام (سورية ولبنان وفلسطين والأردن)، اسم الكنعانيون، فيما عرف كنعانيو ساحل البحر المتوسط باسم الفينيقيون، أسس الكنعانيون في المناطق التي سكنوها ما بين القرنين السابع والرابع قبل الميلاد، حضارة كبيرة ساهمت في إثراء التاريخ الإنساني.
التعليقات