خلصت لجنة تحقيق إسرائيلية إلى أن تفجير مقر قيادة جيش الاحتلال الإسرائيلي في مدينة صور اللبنانية، في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر 1982، والذي أسفر عن مقتل أكثر من 75 جنديا وعنصرا في أجهزة الأمن الإسرائيلية، وقع نتيجة عملية تفجيرية وليس نتيجة حادثة، كما اعتبرت الجهات الرسمية في إسرائيل حتى هذا الحين.
تغطية متواصلة على قناة موقع "عرب 48" في "تليغرام"
جاء ذلك بحسب ما أعلن الجيش الإسرائيلي، في بيان صدر عنه اليوم، الأربعاء، علما بأن السلطات الإسرائيلية كانت قد قررت تشكيل لجنة تحقيق رسمية مشتركة في تفجير مقر قيادة جيش الاحتلال في صور أواخر العام 1982، وذلك في أعقاب "توفر قرائن جديدة، تعزز إمكانية أن انهيار المبنى كان نتيجة عملية انتحارية".
وعلى مدار السنوات الماضية، تبّنت المقاومة اللبنانية عملية تفجير المبنى، لكن الاحتلال الإسرائيلي كان يؤكد على الدوام أن التفجير وقع نتيجة انفجار عرضي وليس تفجيرًا متعمّدًا. والعام 2022، تشكّلت لجنة مشتركة من الأجهزة الأمنية للتحقيق في ماهية التفجير، وخلصت في حزيران/ يونيو 2023 إلى ضرورة تشكيل لجنة تحقيق رسمية.
وبناء على توصية اللجنة، تشكلت لجنة تحقيق رسمية مكملة في أحداث تفجير صور، جرى تكليفها من قبل هيئة الأركان العامة في الجيش الإسرائيلي وضمت ممثلين عن الشرطة والشاباك، وترأسها الجنرال المتقاعد أمير أبو العافية (برتبة لواء في الاحتياط)"، أوكل لها مهمة "صياغة موقف نهائي في هذا الشأن".
وقال الجيش الإسرائيلي إن "لجنة التحقيق التكميلية، برئاسة اللواء في الاحتياط أمير أبو العافية، والتي عملت خلال العام الماضي بالتعاون مع الشاباك والشرطة، أنهت تحقيقاتها في الأيام الأخيرة وقدمت استنتاجاتها إلى رئيس الأركان، هرتسي هليفي، ورئيس الشاباك، رونين بار، والمفوض العام للشرطة، يعقوب شبتاي ووزير الأمن، يوآف غالانت".
وأوضح البيان أن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي ورئيس الشاباك والمفوض العام للشرطة ووزير الأمن، "صادقوا بالفور على الاستنتاجات التي خلصت إليها لجنة التحقيق بالكامل، وتم تقديمها للعائلات الثكلى ولضحايا الكارثة وعائلاتهم".
وأضاف أن "استنتاجات اللجنة تشير إلى أن انهيار مبنى القيادة في صور قد حدث نتيجة انفجار سيارة مفخخة يقودها انتحاري. وأدى الانهيار إلى مقتل 76 عنصرًا من قوات الأمن (حرس الحدود والجيش الشاباك)، بالإضافة إلى 15 معتقلًا لبنانيًا كانوا في المبنى".
ولفت إلى أن لجنة التحقيق الرسمية التي تشكلت في أعقاب الانفجار برئاسة الجنرال الراحل مئير زوريع، كانت قد قررت أن الانفجار حدث نتيجة "غاز تسرب في المبنى وعلى خلفية ضعف أساسات المبنى"، وأضاف أنه "طوال السنوات الماضية، طرحت جهات مختلفة ادعاءات وفرضيات مفادها أن الكارثة ناجمة عن نشاط تخريبي معادٍ، خلافا لما توصلت إليه اللجنة".
وذكر البيان أن لجنة التحقيق التي تشكلت الصيف الماضي "اعتمدت على البيانات والمعطيات التي تم جمعها سابقًا والمعلومات الجديدة باستخدام أدوات احترافية وحديثة ومتقدمة لم تكن متوفرة للجنة زوريع والجهات الأخرى التي فحصت ملابسات انهيار المبنى بعد وقوعه".
سيارة بيجو 504 مفخخة بـ50 كيلوغرامًا
وتابع أن اللجنة خلصت إلى أنه و"باحتمال كبير" فإن "سائقا انتحاريا كان يقود سيارة بيجو 504 مفخخة على المسار الذي يتجه إلى الجنوب في الطريق المحاذي للمبنى. وعندما وصلت السيارة أمام مدخل المبنى، اتجهت نحوه ودخلت عبر المدخل الرئيسي، حتى وصلت بالقرب من فتحة المصعد في الطابق الأرضي، حيث انفجرت".
وبحسب لجنة التحقيق، فإن "وزن العبوة الناسفة كان 50 كيلوغرامًا على الأقل، ويبدو أنها كانت تحتوي على مواد إضافية قابلة للاشتعال، بما في ذلك أسطوانات غاز. وأدى الانفجار إلى انتزاع محرك السيارة البيجو من مكانه وتحطمت السيارة إلى أجزاء وتمزقت جثة المنفذ".
وأضاف البيان أن الانفجار "أدى إلى تضرر ما لا يقل عن أربعة أعمدة في الطابق الأرضي، بشكل أدى إلى انهيار تدريجي للمبنى بأكمله. وأدى انهيار المبنى إلى مقتل وإصابة عناصر من القوى الأمنية الذين كانوا داخله، فضلا عن وفاة معتقلين لبنانيين محتجزين في الطوابق العليا".
وبحسب التحقيق، فإن "منفذ الهجوم هو انتحاري أرسلته عناصر شيعية" وذلك دون تسمية هذه العناصر، في إشارة على ما يبدو إلى حزب الله اللبناني وحركة أمل، وأوصت اللجنة بأنه "من الآن فصاعدا يجب التعامل مع هذا الحدث المأساوي باعتباره حدثا ناجما عن عملية تخريبية معادية".
واعتبرت اللجنة أنه لم يكن بحوزة لجنة زوريع معلومات كافية وأدوات متطورة تساعدها في التحقيق الذي "كان مطلوبا منها العمل خلال فترة قصيرة على إتمامه"، مشيرة إلى أن "المعلومات الجديدة والهامة التي تراكمت، بالإضافة إلى الأدوات المهنية الجديدة التي لم تكن متاحة" ساعدت بالتوصل إلى النتائج الجديدة.
وفي تشرين الأول/ أكتوبر عام 2020، دعا المسؤول السابق في الشاباك، تسفي بندوري، السلطات الأمنية الإسرائيلية إلى الاعتراف بأن تفجير مقر قيادة الجيش الإسرائيلي في مدينة صور اللبنانية، لم ينجم عن تسرب الغاز، مثلما ادعى تحقيق أجري حينذاك، وإنما نجم عن هجوم انتحاري بسيارة مفخخة نفذه عنصر في المقاومة اللبنانية.
وذكر تقرير نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" عام 2020، أن تفجير مقر قيادة قوات الاحتلال الإسرائيلي في صور كان أول هجوم ينفذه "حزب الله"، فيما امتنعت أجهزة الأمن الإسرائيلية عن اعتباره هجوما انتحاريا وإنما انفجارا ناجما عن تسرب غاز.
من جانبه، امتنع حزب الله عن تبني مسؤوليته، لكن كتيبا نُشر في بيروت لاحقا، خصص الفصل الأول فيه للشاب أحمد قصير، منفذ الهجوم والذي أصبح يعرف بأنه الشهيد الأول لحزب الله.
ويحيي حزب الله "يوم الشهيد" في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر كل عام. كما تم بناء نصب تذكاري في قرية قصير، وأطلق اسمه على شارع في طهران، ويحرص أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، على ذكر اسمه في خطاباته في "يوم الشهيد".
وفي تشرين الثاني/ نوفمبر من العام التالي 1983، أدى انفجار سيارة مفخخة قرب بوابة مدخل مقر قيادة الجيش الإسرائيلي وحرس الحدود في صور إلى مقتل 59 شخصًا، بينهم 16 عنصرا إسرائيليا في وحدة "حرس الحدود" الشرطية و9 جنود إسرائيليين و3 من عناصر الشاباك، بالإضافة إلى 31 معتقلًا لبنانيًا، فيما اصطلح إعلاميا داخل إسرائيل على تسميته "كارثة صور الثانية".
التعليقات