كشفت صحيفة الغارديان البريطانية، اليوم الثلاثاء، أن الرئيس السابق لجهاز الموساد، يوسي كوهين، هدد المدعية العامة السابقة للمحكمة الجنائية الدولية، فاتو بنسودا، في سلسلة من الاجتماعات السرية حاول خلالها الضغط عليها لثنيها عن التحقيق في جرائم حرب إسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
تغطية متواصلة على قناة موقع "عرب 48" في "تليغرام"
وأوضح التقرير أن "الاتصالات السرية" التي أجراها كوهين مع المدعية العامة السابقة للمحكمة الجنائية الدولية، جرت في السنوات التي سبقت القرار الذي اتخذته في آذار/ مارس 2021، بمصادقة قضاة المحكمة التي تتخذ من لاهاي مقرا لها، بفتح تحقيق رسمي في جرائم حرب محتملة وجرائم ضد الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ولفتت الصحيفة إلى أن التحقيق الذي كانت قد شرعت به بنسودا "بلغ ذروته الأسبوع الماضي عندما أعلن خليفتها، كريم خان، أنه يسعى لإصدار مذكرة اعتقال بحق رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن الإسرائيلي، يوآف غالانت، على خلفية الجرائم المرتبكة في إطار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول إسرائيلي رفيع أنه "تم التصريح بأنشطة كوهين ضد بنسودا على مستوى عالٍ وتم تبريرها على أساس أن المحكمة شكلت تهديدًا بملاحقة عسكريين إسرائيليين"، وقال مصدر آخر وصفته الصحيفة بـ"المطلع" إن كوهين كان بمثابة "المبعوث غير الرسمي" لنتنياهو.
وقال مصدر إسرائيلي آخر مطلع على التهديدات التي تعرضت لها بنسودا إن هدف الموساد كان مساومة المدعية العامة في محاولة للتوصل معها إلى تسوية ترضي الجانب الإسرائيلي أو تجنيدها كشخص يتعاون مع إسرائيل؛ وأفادت الصحيفة بأن كوهين قاد حملة في الموساد استمرت ما يقرب من عقد من الزمن في محاولة لتقويض المحكمة.
وأكدت أربعة مصادر تحدثت للصحيفة أن "بنسودا أطلعت مجموعة صغيرة من كبار مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية على محاولات كوهين التأثير عليها، وسط مخاوف بشأن طبيعة سلوكه المستمرة والمهددة بشكل متزايد"؛ وأشارت إلى أن "ثلاثة مصادر على دراية بالتقارير الرسمية التي قدمتها بنسودا للمحكمة في هذا الشأن".
ملاحقة ثم حملة تشويه باستخدام "تكتيكات خسيسة"
وأوضحت المصادر أن كوهين مارس ضغوطا على بنسودا في عدة مناسبات وصلت إلى حد تهديد أمنها وأمن عائلتها الشخصي، في محاولة لثنيها عن المضي قدما في تحقيق جنائي في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، أمام المحكمة الجنائية الدولية.
وبحسب التقرير، قال كوهين لبنسودا: "عليك أن تساعدينا وتدعينا نعتني بكِ؛ أنت لا تريدين التورط في أمور يمكن أن تعرض أمنك أو أمن عائلتك للخطر"، وقال أحد الأشخاص المطلعين على أنشطة كوهين إنه استخدم "تكتيكات خسيسة" ضد بنسودا كجزء من جهد فاشل في النهاية لتخويفها والتأثير عليها، وشبهوا سلوكه بـ"الملاحقة".
ووفقا للتقرير، فإن "الموساد أبدى اهتماما كبيرا" بأفراد عائلة بنسودا، وحصل على نسخ تسجيلات سرية لزوجها، ثم حاول المسؤولون الإسرائيليون استخدام هذه المواد لتشويه سمعة المدعية العامة؛ وأفادت بأن ذلك كان جزءا من "حرب" سرية شنتها أحهزة الاستخبارات الإسرائيلية ضد المحكمة الجنائية الدولية على مدار أكثر من 10 أعوام.
ووفقا لخبراء قانونيين ومسؤولين سابقين في المحكمة الجنائية الدولية، فإن الجهود التي بذلها الموساد لتهديد بنسودا أو الضغط عليها يمكن أن ترقى إلى مستوى الجرائم ضد إدارة العدالة بموجب المادة 70 من نظام روما الأساسي، المعاهدة التي أنشأت المحكمة على أساسها.
وكشفت الغارديان أن "إسرائيل تلقت دعما من حليف غير متوقع، وهو الرئيس السابق لجمهورية الكونغو الديمقراطية، جوزيف كابيلا، الذي لعب دورًا داعمًا في جهود الموساد للتأثير على بنسودا"، فيما أشارت إلى تحذيرات المدعي العام الحالي بأنه لن يتردد في مقاضاة "محاولات إعاقة أو تخويف أو التأثير بشكل غير لائق" على مسؤولي المحكمة.
وفي حين رفض المتحدث باسم المحكمة الجنائية الدولية التعليق على وقائع محددة، إلا أنه أكد أن مكتب المدعي العام الحالي للجنائية الدولية، خان، تعرض "لعدة أشكال من التهديدات والاتصالات التي يمكن اعتبارها محاولات للتأثير بشكل غير مبرر على أنشطته".
ووفقا للصحيفة، كانت هناك شكوك لدى كبار المسؤولين في المحكمة الجنائية الدولية بأن إسرائيل قامت بتجنيد "مصادر" داخل قسم الادعاء في المحكمة، المعروف باسم مكتب المدعي العام. وأفاد التقرير بأنه على الرغم من أن الموساد "لم يترك توقيعه"، إلا أن الافتراض هو أن الجهاز كانت وراء بعض الأنشطة التي علم بها المسؤولون
"كمين مانهاتن"
وأفاد التقرير بأنه "بصفته رئيسًا لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي بين عامي 2013 و2016 (قبل توليه رئاسة الموساد)، أشرف كوهين على الهيئة التي بدأت، وفقًا لمصادر متعددة، في تنسيق جهد متعدد الأجهزة (الاستخباراتية) ضد المحكمة الجنائية الدولية بمجرد أن فتحت بنسودا التحقيق الأولي في عام 2015".
ويبدو أن أول تفاعل لكوهين مع بنسودا كان قد حدث في مؤتمر ميونيخ الأمني في عام 2017، عندما قدم مدير الموساد نفسه للمدعي العام في تبادل مقتضب للحديث. وبعد هذه المواجهة، "نصب كوهين كمينًا لبنسودا في حادثة غريبة في جناح فندق في مانهاتن"، وفقًا لمصادر متعددة مطلعة على الحادث.
وأوضح التقرير أن بنسودا زارت نيويورك عام 2018 في زيارة رسمية، واجتمعت برئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية آنذاك، كابيلا، في الفندق الذي يقيم فيه، في إطار التحقيق المستمر الذي تجريه المحكمة الجنائية الدولية في الجرائم المزعومة المرتكبة في بلاده.
واتضح أن الاجتماع مع كابيلا كان غطاء لنشاط كوهين؛ إذ في مرحلة معينة من الاجتماع، "بعد أن طُلب من موظفي بنسودا مغادرة الغرفة، دخل كوهين إلى غرفة الاجتماع؛ بحسب ما نقلت الغارديان عن ثلاثة مصادر مطلعة؛ وأفادت بأن الظهور المفاجئ لكوهين "أثار قلق" بنسودا ومسؤولي المحكمة الجنائية الدولية الذين رافقوها في رحلتها.
وذكرت ثلاثة مصادر أنه بعد الاجتماع المفاجئ مع كابيلا وبنسودا في نيويورك، اتصل كوهين هاتفيا بالمدعية العامة في عدة مناسبات، وطلب عقد اجتماعات معها. ووفقا لمصدرين مطلعين، سألت بنسودا كوهين في إحدى المراحل كيف حصل على رقم هاتفها، فأجاب: "هل نسيت ما أفعله من أجل لقمة العيش؟".
وأوضح التقرير أن رئيس الموساد "حاول في البداية بناء علاقة" مع المدعية العامة ولعب دور "الشرطي الصالح" في محاولة لإغراء. ونقل عن مصادر مطلعة أن هدف كوهين الأساسي "يبدو أنه كان تجنيد بنسودا للتعاون مع إسرائيل". ومع ذلك، سرعان ما تغيرت لهجة كوهين وبدأ في استخدام مجموعة من التكتيكات، بما في ذلك "التهديدات والتلاعب النفسي".
التعليقات