تطوي بريطانيا صفحة تاريخية، الخميس، إذ يتوقع أن يلحق حزب العمال من يسار الوسط هزيمة فادحة بالمحافظين الذين يتولون السلطة منذ 14 عاما في انتخابات تشريعية شهدت تصاعد اليمين المتشدد.
بعد سنوات صعبة عايش خلالها البريطانيون خروج بلادهم من الاتحاد الأوروبي والأزمة الاقتصادية والاجتماعية وانتشار كوفيد وفضائح وعدم استقرار سياسي مع تعاقب ثلاثة رؤساء وزراء محافظين عام 2022 وخمسة منذ عام 2010، يتطلع الناخبون إلى شيء واحد فقط، وهو التغيير.
لا تسود أجواء تفاؤل أو أمل مفرط، لكن البريطانيين على استعداد لمنح فرصة لكير ستارمر زعيم حزب العمال المتقشف وغير المعروف كثيرا البالغ من العمر 61 عاما، هو محام سابق مدافع عن حقوق الإنسان شغل منصب المدعي العام قبل أن ينتخب نائبا قبل تسع سنوات.
ويفترض أن يصبح رئيسا للوزراء لأن هذا المنصب يتولاه عادة رئيس الحزب السياسي الذي يحصل على غالبية المقاعد في الانتخابات التشريعية.
لا يتمتع كير ستارمر بشخصية كاريزمية ولا يحظى بشعبية كبرى. لزم حذرا كبيرا بل حتى غموضا خلال الحملة الانتخابية، حرصا منه على الحفاظ على تقدم حزبه بفارق 20 نقطة على المحافظين.
أما وعوده، فبقيت محدودة، إذ حذر منذ الآن بأن حزب العمال لا يملك "عصا سحرية".
لكن هذا الرجل ذو الأصول المتواضعة، وهو ابن صانع أدوات وممرضة، يتحدث عن النزاهة وحس الخدمة في السياسة.
وقال الثلاثاء "أول شيء سأفعله (عند تولي رئاسة الحكومة) سيكون تغيير عقلية السياسة التي يجب أن تكون سياسة في خدمة" الشعب مذكرا بالفضائح العديدة التي طالت في السنوات الماضية سلطة المحافظين.
وأضاف "البلاد أولا، ثم الحزب".
بين مصادر القلق الرئيسية للناخبين، الاقتصاد وتدهور خدمة الصحة العامة والهجرة.
جعل حزب الإصلاح البريطاني القومي وزعيمه نايجل فاراج الذي يحاول للمرة الثامنة أن ينتخب لعضوية مجلس العموم، من هذا الموضوع الأخير محور معركته وربطه بكل المشاكل التي تعاني منها بريطانيا مثل نقص السكن وصعوبة تلقي العلاج الطبي وعدم توفر فرص عمل لبعض الشباب.
دخل فاراج السباق الشهر الماضي ما أدى مباشرة إلى تعزيز نوايا التصويت لحزبه الذي بات يحل خلف حزب المحافظين وحتى تقدم عليه في بعض استطلاعات الرأي.
ويحظى هذا النائب الأوروبي السابق البالغ من العمر 60 عاما والمعجب بالرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب والذي كان مؤيدا على الدوام لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بفرصة جيدة ليتم انتخابه في كلاكتون أون سي، المدينة الساحلية شرق لندن.
من جهته، بذل ريشي سوناك، رئيس الوزراء منذ عشرين شهرا خلفا لليز تراس التي اضطرت إلى الاستقالة بعد 44 يوما في داونينغ ستريت، كل جهوده لإقناع مواطنيه بعدم تقديم شيك على بياض لحزب العمال.
أعلن عن خفض الضرائب ووعد بأيام أفضل مع التلويح في الوقت نفسه بزيادة هائلة للضرائب في ظل حكومة حزب العمال.
لكن كل ذلك لم يعط النتائج المرجوة، وقد يواجه المحافظون أسوأ هزيمة في تاريخهم.
ولم تحظ هذه الحملة باهتمام واسع.
ريشي سوناك، المليونير من أصل هندي البالغ من العمر 44 عاما والذي غالبا ما يُعتبر منفصلا عن اهتمامات البريطانيين، واصل مسيرته رغم كل شيء وبدأ، الثلاثاء، ماراتونه الانتخابي عند الساعة الرابعة صباحا سعيا لاستمالة ناخبين مترددين بين حزب الإصلاح البريطاني وحزب المحافظين في دوائر ستكون فيها المنافسة حامية.
وقال "سأحارب من أجل كل صوت، حتى نهاية الحملة الانتخابية".
يقدم حزب الاصلاح البريطاني هذه السنة أكثر من 600 مرشح في وقت يجري التنافس على 650 دائرة انتخابية. وحتى وان كان نظام التصويت على الأكثرية وبدورة واحدة يعطي الأولوية للحزبين الكبيرين، فان فاراج لم يخف نواياه. فهو يريد اختراق معاقل المحافظين الذين أنهكتهم الانقسامات الداخلية وجعل تنظيمه حزب المعارضة الرئيسي بهدف الفوز في الانتخابات التشريعية عام 2029.
التعليقات