تزايد عدد السفارات الأوكرانية في إفريقيا خلال الفترة الأخيرة، في وقت يتمدد فيه الحضور الروسي بالقارة السمراء، مقابل استمرار تراجع النفوذ الغربي ولاسيما الفرنسي.
هذا المشهد يتشكل على وقع حرب مستمرة منذ 24 شباط/ فبراير 2022 بين روسيا وأوكرانيا المدعومة من الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة.
وفي رسالة تهنئة بذكرى تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية (الاتحاد الإفريقي حاليا) في 25 مايو/ أيار، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي: "شهدنا مؤخرا أكبر موجة متزامنة من افتتاح السفارات في إفريقيا".
وأوضح زيلينسكي في رسالة نشرتها الخارجية السبت: "افتتحنا (..) سفارات جديدة في أنحاء القارة، وسنستمرّ في توسيع حضورنا، ونأمل في التعاون".
وفي ما يبدو هجوم مبطن على روسيا، أضاف أن بلاده "تسعى دائما لتحقيق المنفعة المتبادلة، ولا نستخدم أبدا الفرص المتاحة لنا على حساب الشعوب الأخرى أو سيادتها أو رفاهيتها".
و"هذا بالضبط ما نحتاجه في عالمنا، في عالم لا توجد فيه سوى صيغة السلام، إن صيغة الاحترام والتنمية يجب أن تنجح دائما، فلتكن هذه صيغتنا المشتركة"، كما زاد زيلينسكي.
تعزيز الوجود
وخلال فترة قصيرة، افتتحت أوكرانيا سفارات لها في الكونغو الديمقراطية وساحل العاجل وموريتانيا، وتستعد لافتتاح سفارات في دول أخرى بينها غانا وموزمبيق وبوتسوانا ورواندا.
وأشرف الممثل الخاص لأوكرانيا لشؤون الشرق الأوسط وإفريقيا، مكسيم صبح، في 23 مايو الجاري، على افتتاح أول سفارة لبلاده في موريتانيا.
وشارك في الفعالية ممثلون رسميون من الخارجية الموريتانية وسفراء وأعضاء سلك دبلوماسي معتمدون في البلاد وممثلون عن وسائل إعلام ودوائر الأعمال.
ووفق الخارجية الأوكرانية، عبر بيان، اعتبر صبح في كلمة له أن افتتاح البعثة الدبلوماسية الأوكرانية في نواكشوط "دليل على اعتزام أوكرانيا تكثيف التعاون مع موريتانيا، باعتبارها شريكا مهما في منطقة الساحل (غرب إفريقيا)".
وأبلغ صبح وزير الخارجية الموريتاني محمد سالم ولد مرزوك أن نواشكوط ستستفيد من خطة شحن الحبوب الأوكرانية للدول الإفريقية، وفق البيان.
وأوكرانيا هي رابع أكبر دولة مصدرة للقمح، وتنتج 9 بالمئة من إنتاجه العالمي، و42 بالمئة من زيت بذور عباد الشمس، و16 بالمئة من الذرة.
كما اجتمع صبح مع رئيس الجمعية الوطنية الموريتانية محمد ولد مكت، وناقشا "إمكانيات تكثيف الاتصالات البرلمانية على مستوى قيادة البرلمانين، وآفاق إنشاء مجموعتي صداقة بين نواب من البلدين"، وفق الخارجية الأوكرانية.
وفي ساحل العاج، افتتح صبح في 11 نيسان/ أبريل الماضي أول سفارة لكييف في البلد الإفريقي.
وقال في كلمة إن "افتتاح سفارة أوكرانيا في ساحل العاج (كوت ديفوار) يفسر أولا وقبل كل شيء، رغبتنا في تكثيف التعاون الشامل مع الشركاء الإيفواريين"، حسب بيان للخارجية.
وفي اليوم التالي، افتتح صبح سفارة لبلاده في جمهورية الكونغو الديمقراطية.
وقالت الخارجية الأوكرانية في بيان إن هذه الخطوة جاءت "في إطار تنفيذ قرار رئيس أوكرانيا بتعزيز الوجود الدبلوماسي في القارة الإفريقية، ومن المقرر قريبا افتتاح مكاتب دبلوماسية في خمس دول إفريقية أخرى".
مخاوف غربية
ويرى مراقبون أن الدول الإفريقية باتت منطقة صراع بين الغرب وروسيا، الطامحة لبسط نفوذها في مناطق واسعة من القارة السمراء الغنية بالموارد الطبيعية، وتشهد العديد من دولها أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية.
ومع تزايد تمدد الحضور الروسي في القارة - وفق المراقبين - تصاعدت مخاوف الغرب من أن تتمكن موسكو من الحصول على موطئ قدم في دول إفريقية مطلة على المحيط الأطلسي.
ومن بين هذه الدول موريتانيا، وهو ما يفسر الاهتمام الغربي اللافت بالبلد العربي الواقع غرب القارة ويطل على المحيط الأطلسي بسواحل تمتد بطول 755 كلم.
وسيمثل الحضور الروسي في موريتانيا، حسب المراقبين، تهديدا للجناح الجنوبي لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، بقيادة الولايات المتحدة.
وتعزز الاهتمام الغربي بموريتانيا أيضا بعد اكتشاف الغاز الطبيعي بكميات كبيرة تبلغ نحو 100 ترليون قدم مكعب، ومن المرتقب أن تشرع نواكشوط في تصدير أولى شحناتها من الغاز المسال نهاية العام الجاري.
ساحة مواجهة
مدير مركز إفريقيا للدراسات الإستراتيجية والاستشارات وتحليل السياسات أحمد ولد الوديعة، قال للأناضول، إن "إفريقيا باتت ساحة مواجهة فعلية محتدمة بين روسيا والغرب".
وأضاف أن هذه المواجهة "هي تماما مثل المواجهة الحاصلة بين الطرفين في أوكرانيا، حيث تحاول الولايات المتحدة وأوروبا ضرب روسيا في الخاصرة الأوكرانية".
الوديعة تابع أن أغلب الدول الإفريقية "تبدو مدركة لأبعاد هذا الصراع ومعنية بالاستفادة منه في تنويع الشراكات وتعزيزها، وخصوصا في مجالات الأمن والدفاع والطاقة".
واعتبر أن إفريقيا "هي قارة المستقبل، وهناك مَن يتنافسون عليها ظنا منهم أنهم سيتناوبون على احتلالها واستغلال مواردها، ولكن الوعي في القارة كبير والنزوع للاستقلال والسيادة عميق".
واستدرك: "هذا الوعي في إفريقيا يبدو غير مستوعب بما يكفي للمتنافسين، الذين ينظر أغلبهم إلى القارة نظرة احتقار وازدراء".
ورقة القمح
ومتفقا مع الوديعة، قال المحلل السياسي المتابع للشأن الإفريقي أحمد ولد محمد فال إن افتتاح أوكرانيا لسفاراتها في وقت قصير "يعكس حجم الصراع الغربي الروسي المحتدم بالقارة".
وأضاف ولد محمد فال للأناضول أن "روسيا باتت تتمدد بشكل واسع في العديد من بلدان إفريقيا، مقابل استمرار تراجع واضح للنفوذ الفرنسي".
وشدد على "الرفض الإفريقي الواسع للوجود الفرنسي، وآخره تلميح رئيس الوزراء السنغالي عثمان سونغو إلى رغبة بلاده في إغلاق القواعد العسكرية الفرنسية".
وأشار ولد محمد فال إلى أن "ثلاث من دول الساحل الإفريقي، هي مالي والنيجر وبوركينافاسو، طردت بالفعل القوات الفرنسية والأمريكية من أراضيها".
وختم بأن "الغرب لا يريد ترك القارة الإفريقية لروسيا والصين، وبالتالي يستخدم كل أوراقه، وفي هذا الإطار يأتي حراك أوكرانيا لفتح سفارات بالبلدان الإفريقية واستغلال ورقة صادرات القمح".
وتسببت الحرب بين روسيا وأوكرانيا في عرقلة صادرات القمح لدول كثيرة، لاسيما في إفريقيا؛ ما أدى إلى ارتفاع أسعار الحبوب والمواد الغذائية عامة.
وفي نيسان/ أبريل الماضي بلغت صادرات أوكرانيا من الحبوب 6.3 ملايين طن، ارتفاعا من 5.5 ملايين طن في الشهر السابق، وفق بيانات وزارة الزراعة.
التعليقات